هنية من الرصيف إلى القصر الجمهوري!

الفرق بين الصورتين يختصر تاريخا طويلا مليئا بالتناقض والالم..
الأولى لإسماعيل هنية وبالتحديد في عام 2006 عندما اضطر للجلوس على رصيف معبر رفح لمدة تصل إلى 8 ساعات منتظراً التصريح له بالدخول إلى قطاع غزة، بعد أن قطع جولته الدولية لمتابعة التصعيد في الشارع الفلسطيني. يومها كان الشتاء قد حل، ولم يكن لهنية وقتها من حل سوى أن يجلس في البرد القارص ينتظر إذناً بالعبور من مأمور مصري لا يرقى لرتبة ضابط!
الصورة الثانية يوم الخميس الماضي، حينما احتضن قصر الرئاسة المصرية الذي يسكنه السجين السابق محمد مرسي، نفس الشخص الذي مُنع من دخول بلده، وجلس مهموما على الرصيف في البرد القارص!
سبق هذا أيضا، صورة أخرى مغايرة، حينما استقبل الضيف على المعبر ذاته بأداء التحية من عسكر مصر، هؤلاء العسكر ربما هم ذاتهم من منعوه ذات يوم من الدخول، هام يؤدون له التحية، لأن «المعلم» اللي فوق تغير!
لا نريد ان نبالغ كثيرا بالاستنتاجات، ولكن السنوات التي فصلت بين الصورتين حملت أحداثا درامية كبرى، ربما تجيب عن أسئلة لم تزل حائرة في عقول البعض ممن يعتقدون أن كل ما حدث هو من صنع أمريكا، حسنا هذا ليس موضوعنا، ولكنه يلح علي دائما كلما توقفت أمام متغير جديد مما كان ثوابت في منطقتنا نتيجة ثورات الربيع المباركة..
الآن، في عهد مرسي، تحولت صفة ملف حماس من «أمني» إلى سياسي، وفي إسرائيل يرقبون الحدث بحبس أنفاسهم، ويتعقبون كل حركة للرئيس الجديد، ويستعدون للأسوأ، خاصة بعد أن يكتمل رفع الحصار عن غزة، وتأخذ شكل العلاقة المصرية الفلسطينية الكامل، وبدلا من ان ينظر المصريون الى قطاع غزة على أنه يدخل في اطار الامن القومي المصري فقط، سينظرون اليه على انه يدخل في اطار علاقات متميزة بين الشعبين الفلسطيني والمصري، مع ما يتبع هذا من تعاون وسهولة حركة وتواصل مصري فلسطيني، وفق ما تقتضيه مصلحة مصر وفلسطين، لا وفق ما تمليه إسرائيل، علما بأن اتفاقية كامب ديفيد لا تشترط على مصر ان تمتنع عن التبادل التجاري مع قطاع غزة او اقامة مشاريع مشتركة وبالتالي ليس هناك التزامات من الجانب المصري بعدم إقامة مشروع المنطقة الحرة الذي يحمله معه هنية إلى القاهرة الجديدة!
بالمناسبة، نظام المخلوع مبارك عمد إلى إغلاق معبر رفح بشكل كامل فور فوز حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006، وأتبع ذلك سلسلة من الإجراءات التي خنقت الأهل في غزة، وكانت تتناغم مع إجراءات إسرائيل، وتكمل دائرة الحصار، إلا أن «دوام الحال من المحال» حيث بدأ الأمر يتغَّير في عهد الرئيس مرسي بعد حزمة تسهيلات أقرها ليس في سبيل كسر حصار غزة، بل في سبيل كسر الحصار على مصر، التي كانت تقع تحت احتلال ملتبس، يجلس على رأس نظامه رئيس اسمه مبارك، وفي داخله شخص آخر اسمه: باروخ، (وهي الترجمة العبرية لكلمة مبارك) كما قال لي ذات يوم سائق سيارة أجرة وهو يقلني إلى مطار اسكندرية!
(الدستور)