الحرب تأتي على غفلة

النقاش الحاد الذي تشهده أروقة الدوائر الاستراتيجية الضيقة والمفتوحة في إسرائيل، حول مستقبل الأوضاع في سورية، يشي بأن ثمة احتمالات مفتوحة على خيارات متعددة، وصفت أنها ليست خيارات بين الشر والخير، بل بين السيئ والأسوأ، حسب الوصف الاستراتيجي الإسرائيلي، قد تأتي بحرب على غفلة إذا ما طال أمد مكوث نظام الأسد في دمشق، وإذا ما استمر سيناريو بقاء النظام وانهيار الدولة الذي يعني إسرائيليا احتمالية أكثر بوصول مخزون الأسلحة الكيماوية والبيولوجية السورية إلى حزب الله، وإلى تنظيمات متطرفة أخرى.الأنباء الواردة من اجتماعات لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، وجلسات الاستماع التي شارك فيها رئيس هيئة الأركان بني غانتس ومديرو المؤسسات الأمنية والاستخبارية، تعيد تقدير الموقف ساعة بساعة، بينما لا تتوقف التقارير الدولية منذ أشهر عن الإشارة إلى قوة النشاط الاستخباري، وربما العملياتي الإسرائيلي على الساحتين السورية واللبنانية، والممتد من البقاع إلى الحدود السورية العراقية. القراءة الإسرائيلية عمليا تخشى المنطقة الرمادية الوسطى. بقاء النظام قد يكون خيرا، وزوال النظام بسرعة مع ضمان ترتيبات إحلال سريعة قد يكون خيرا أيضا. ولكن، كيف تكون حالة الفوضى التي طالما تمنتها إسرائيل هي الشر كله؟ لا يفهم ذلك إلا في ضوء خوف إسرائيل من تسلل جماعات متطرفة إلى المخزون الكيماوي والبيولوجي والقدرات الصاروخية السورية، سواء من حزب الله أو من جماعات من تنظيم القاعدة الذين يتدفقون يوميا إلى سورية، فيما يكثف حزب الله نشاطه الاستخباري مقدمة لنشاطه العملياتي باتجاه الحدود السورية الجنوبية صوب إسرائيل والأردن.ضربة إسرائيلية سريعة وقوية ومزدوجة، تستهدف القدرات الاستراتيجية السورية ومراكز القيادة والسيطرة لحزب الله، تبدو لدى بعض الدوائر الإسرائيلية خطوة مصيرية استباقية، قبل أن يحل شبح الفوضى الذي يعني عمليا فتح ساحة كبرى للفوضى ولالتقاط الأنفاس، وفرصة إيرانية للاستثمار الاستراتيجي ممتدة وسط الجبال والصحارى العربية، من أقاصي جبال طوروس مرورا بالعمق الإيراني وصولا إلى منحدرات طبريا، حيث نقاط الاشتباك الساخنة المتوقعة.التقديرات الإسرائيلية تذهب إلى أن المواقف الغربية التي تدفع نحو تغيير النظام في دمشق لن تقود إسرائيل من يدها الموجوعة إلى هذا السيناريو، ولكنها سوف تتفهم عملية عسكرية إسرائيلية مركزة وعميقة وسريعة وذات أثر حاسم، في الوقت الذي تخشى فيه تلك الدول أن تخسر الرصيد الشعبي العربي المتعاطف مع الثورة السورية، ومع أطروحة إسقاط نظام الأسد بالقوة، وتخدم أطروحة النظام حول المؤامرة الدولية.تزداد المؤشرات الدالة على نهاية حقبة من الألعاب الاستراتيجية التقليدية القائمة على الردع بالشك، والتفاهمات الصامتة، وإدارة الغموض، وصولا إلى الحاسة الاستراتيجية المستيقظة؛ إنها نهاية التفاهمات الصامتة بين النظام السوري وإسرائيل التي أدامت الهدوء على الجبهة السورية نحو أربعة عقود.إقليميا ودوليا؛ الجميع لا يريد الحرب، ولا يقدر عليها؛ أي لا إرادة ولا قدرة في هذه اللحظة لدى جميع الأطراف لخوض حرب جديدة. ولكن حينما تقع الواقعة، فإن على الجميع التعامل معها.إلى هذا الحد، الحرب لا تستأذن الشعوب ولا النخب، ويتخذ قرارها من قبل نخبة صغيرة في لحظة يصل فيها التناقض إلى أعلى مستوياته؛ لحظة يكون فيها تقدير الموقف لدى طرف ما قد تفوق على الآخرين.
(الغد)