أنقرة أمام ساعة.. الحقيقة !

أن يقول اردوغان, أن انقرة لن تقف «متفرجة» على ما يحدث في حلب, في الوقت عينه الذي يُبشّر فيه وزير خارجيته داود اوغلو ببدء مرحلة «ما بعد» الاسد, وأن بلاده ستكون لاعباً اساسياً في وضع حجر الاساس لمستقبل سوريا, رغم المحاولات الدولية الاخرى, لا يعني أن تركيا خرجت رابحة من موقفها المعادي للنظام السوري, حتى لو سقط هذا النظام وجيء بنظام آخر, لا يمكن التنبؤ بمستقبله أو الاطمئنان الى أن سوريا «ما بعد الاسد» ستعرف الديمقراطية أو الهدوء أو استمرار كيانها الراهن على حاله التي تكرّست منذ ستة عقود ونيّف.
هذه القراءة التركية المتسرعة, لا تعدو كونها مجرد تخمين أو تكهنات, قد لا تتطابق وموازين القوى على الارض أو تتماشى مع حسابات القوى الاقليمية والدولية, التي ستفترق بالضرورة عند البدء باقتسام جلد الدب – ما بالك ان «الدب» لم يتم اصطياده بعد, وأن الازمة ستكون مرشحة لأن تخرج على نطاق السيطرة وتمتد «حرائقها» الى ما بعد الملعب أو الساحة, التي يريد «الباب العالي» في أنقرة حصرها فيها.. ولنا أن نقف عند ما قاله رئيس بعثة المراقبين الدوليين الجنرال روبرت مود, الذي اجتزأت منه فضائيات العربان قوله: أن سقوط النظام السوري مسألة وقت, فيما هو اضاف «.. لكن الحرب الاهلية لن تنتهي»!!
هنا نتحدث عن التهديد التركي بعدم السماح للارهاب الكردي والقاعدة, بأن يتواجد على الحدود التركية.. وهنا أيضاً ودائماً, يمكن للمراقب أن يرى بوضوح حجم التخبط الذي وقعت الدبلوماسية التركية فيه, وكيف انها لم تقف في المكان الصحيح, على عكس ما قال داود اوغلو بأن موقف تركيا هذا ينبع من قراءة صحيحة للتاريخ, اضافة الى «انها في موقف يحفظ لها مصالحها الوطنية الاستراتيجية»!!
أين من هنا؟
لنبدأ من الاتهامات التركية المعلنة والمباشرة للنظام السوري بأنه «سلّم» مناطق القامشلي والحسكة وغيرها من البلدات «الكردية» لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري, المؤيد لحزب العمال بزعامة عبدالله اوجلان, ورغم أن اتهاماً كهذا تفوح منه رائحة الازدواجية (حتى لا نقول النفاق) إذ كيف «يُحرّر» متمردو الجيش الحر والجماعات الاسلامية التي تمولها انقرة حلب والمعابر الحدودية, وترى في ذلك حكومة اردوغان دليلا عن ضعف قوات النظام وقرب سقوطه، فيما في المناطق الكردية السورية, يعتبر ذلك تواطئاً بهدف اقامة كيان «كردي» في شمال شرق سوريا المتاخم لتركيا؟
ليس من قبيل المبالغة القول, ان تركيا ستخرج اكبر الخاسرين من «المولد» السوري وسيتآكل نفوذها ودورها المبالغ فيه والقائم على الغرور والغطرسة اكثر مما يتنكب طريق الحكمة واستخلاص عِبر التاريخ ودروسه، ولهذا فان الهاجس الكردي سيبقى يؤرق حكام انقرة. وحلفها (العابر والمؤقت) مع مسعود برزاني لن يكتب له النجاح ليس لان مسعود برزاني «لا يمون» على اكراد سوريا حتى بعد نجاحه في توحيد احزاب وقوى كرد سوريا في اطار المجلس الوطني الكردستاني، عندما استضافهم في اربيل, وخصوصا ان الحزب الابرز والاقوى في المشهد الكردستاني «السوري» وهو الاتحاد الديمقراطي يعتبر من اكبر المؤيدين لحزب اوجلان بل ان اعلامه وصور زعيمه هي التي تُرفع وحدها في القامشلي والحسكة وعفرين.
ايقظت تركيا المارد الكردستاني اكثر من أي وقت مضى ولم تعد امكانية التقارب بين الكيانات الكردستانية الثلاث سوريا العراق وتركيا (دع عنك ايران الان).. مستحيلة, بل هناك مؤشرات على ان حزب العمال الكردستاني قد اعاد تنظيم صفوفه في المنطقة على النحو الذي كان عليه قبل العام 1998, اضافة الى ان كرد سوريا اعلنوا بصراحة انهم ليسوا في وارد الدخول في حوارات او مفاوضات مع أي جهة سورية معارضة (مجلس اسطنبول او جيش رياض الاسعد) ناهيك عن رفضهم الدخول في مواجهات مسلحة مع النظام او المبادرة الى اطلاق النار عليه.
المعارضة التركية يبدو انها تقرأ المشهد السوري والاقليمي بوعي وعمق اكثر من تلك التي يدّعيها الحزب الحاكم, ولهذا ليس مستغرباً ان ينتقد كمال كيليتشدار اوغلو سياسة حكومة اردوغان حيال سوريا معتبراً ان اسرائيل هي الرابح الوحيد من الاوضاع الراهنة مع سورية «لأن العمل جار لتأسيس دولة كردية».. مضيفاً: ان سياسة تركيا الخارجية «اصبحت فوضوية»!!
اردوغان المعروف بعناده لن يتراجع لكنه وحزبه قد يخسران الحكم. ( الرأي )