إنترنت نظيف

استطاعت الحملة الوطنية لحجب المواقع الإباحية "إنصاف"، والتي دعت منذ العام الماضي إلى إنترنت نظيف بعيدا عن المواقع الإباحية أو المواقع المسيئة والمخلة بالآداب العامة، تحقيق إنجازات مهمة على الأرض، تتمثل في بدء الحكومة إجراء حوار رسمي مع الشركات المزودة لخدمة الإنترنت، بالتزامن مع خطوات عملية لدراسة الحلول الفنية اللازمة والممكنة. والأمر الذي لا يقل أهمية عن الإجراءات الرسمية، أن الحملة استطاعت خلق حوار مجتمعي، وحشد الرأي العام حول قضية ذات حساسة، وهناك احتمال وارد أن تعاني من آثارها كل أسرة.
تصنف المواقع الجنسية الإباحية من منظور المعايير الأخلاقية الإعلامية بالمضمون الإعلامي غير الملائم. وفي معظم دول العالم الديمقراطي، هناك معايير وإجراءات صارمة لمنع وصول الأطفال والمراهقين إلى هذه المضامين، إلى جانب قيود وحدود على إتاحة هذه المنافذ في الأماكن العامة، علاوة على أن تلك المجتمعات تشتغل منذ عقود طويلة على ما يسمى "التربية الإعلامية" التي تسلح الأسر والأمهات والآباء بأنجع الأساليب لغرس أفضل الممارسات في تعامل الأطفال والمراهقين مع وسائل الإعلام، ومنها الإنترنت، وهو الأمر الذي تفتقده أنظمتنا التعليمية والاجتماعية. وبعض الدول وضَعَ قيودا حدت من الوصول إلى هذه المواقع، مثلما حدث في بريطانيا، استجابة لضغوط اتحاد الأمهات لحجب المواقع الإباحية، إذ يحتاج من يرغب في الوصول إلى هذه المواقع الاشتراك في هذه الخدمة.
تزداد قوة الدفع نحو "إنترنت نظيف" مع تصاعد الوصول إلى الإنترنت في الأردن، والذي وصل إلى 53 %، أي إنه تضاعف خلال أقل من ثلاثة أعوام. ومعظم مستخدمي الإنترنت من الشباب، ثم المراهقين والأطفال، ومع غياب أي مسار تربوي ممنهج في الأسرة وفي مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وفي مجتمع ما يزال الحديث فيه عن الثقافة الجنسية غير مباح، تصبح المسألة على درجة كبيرة من الوجاهة. المشكلة لدينا أن لا عمل في الأردن يسلم من التسييس، إذ سرعان ما حسبت هذه المطالب على الحركة الإسلامية، وتم تحميلها جرعة سياسية ليست في النص ولا في السياق.
على الجهة المقابلة، لا بد من الاستماع إلى الأصوات المعارضة لأي خطوات من شأنها "فلترة" الإنترنت مركزيا. وهؤلاء لديهم مبرراتهم التي تحتاج مناقشة هادئة. إذ ظهرت حملة أخرى مضادة لقرار الحجب، حملت عنوان "بعرف أحمي حالي". هذه الحملة وغيرها تهدف إلى توعية المواطنين بآلية حماية أنفسهم دون تدخل حكومي، ويحذرون من التضييق على الحريات العامة وحق الحصول على المعلومات، وترى أن أي تدخل في الإنترنت هو تدخل في الحريات الشخصية، وأن أمام الأسر خيار حجب هذه الخدمة والحصول على إنترنت نظيف عند الاشتراك.
أصوات أخرى أكثر تطرفا ترى أن أي إجراء في تجاه الحجب و"الفلترة" يعني إيجاد "شرطة إنترنت"، أو نقل خبرة هيئة الأمر بالمعروف من الشارع إلى الإنترنت. فنياً، يرى آخرون أن عملية الحجب صعبة، وستحجب معها آلاف المواقع الأخرى، ولا تجد برامج "فلترة" تقوم بهذه المهمة بإتقان. سياسيا، يرى آخرون أن السماح بحجب هذه المواقع سيكون مبررا لحجب عشرات المواقع الأخرى تحت حجة الأخطاء الفنية أو التدخل فيها حسب المناسبة ومن وقت لآخر.
قد يكمن الحل المرحلي في أن نقلب معادلة الاشتراك الحالية: بكل بساطة، إن من يريد خدمة مفتوحة يضع إشارة في طلب الاشتراك، ويوقع على تعهد أخلاقي بحماية الأطفال والمراهقين، بينما يبقى الاستخدام العام في الجامعات والمدارس والأماكن العامة مقيدا.
(الغد )