نفاق يزكم الأنوف!

ترتفع عقيرة الغرب الامبريالي محذرة من مجزرة في طريقها الى الحدوث في حلب, بعد أن بدأ الجيش السوري هجوماً مضاداً على متمردي الجيش الحر وباقي المجموعات المسلحة, التي تفتح كل منها على حسابها في انتظار سقوط النظام وحصولها (ومَن يدعمها من دول واجهزة استخبارية عربية وغربية) على جزء من الكتلة السورية, التي بات كثيرون الان وبعد مضي ثمانية عشر شهراً على الاحتجاجات, يدركون انها ستكون كعكة مسمومة بعد كل ما قارفوه بحق الشعب السوري من جرائم, وبعد أن اخذوا الحراك السلمي الى مربع العسكرة والتسليح, الذي طالب عبدالباسط سيدا رئيس مجلس اسطنبول يوم امس الدول الصديقة والشقيقة تسليح المعارضين وتقديم دعم «نوعي» يمكنهم من مواجهة جيش النظام..
نقول: ارتكب الذي شجعوا عسكرة الاحتجاجات السورية جريمة سترتد عليهم آجلاً أم عاجلاً, ليس فقط في أنهم اسهموا في تدمير الوطن السوري واحدثوا فيه خراباً ودماراً وانقساماً أفقياً وعامودياً, وانما ايضاً في انهم تناسوا عن عمد «الدرس الافغاني» الذي يُفترض انهم استوعبوه واستخلصوا عِبَرَه, لأن الذين «يقاتلون» الان في سوريا هم خليط غير متجانس من المتطرفين والسلفيين والجهاديين, وحتى اولئك الذين ينضوون تحت لواء ما يوصف بالجيش الحر فإنهم مرتهنون لعواصم القرار الاقليمي وخصوصاً أنقرة ومن تحالف معها من العرب, الذين اقاموا غرفة عمليات أو تجمعاً لهيئات استخبارية ومالية ولوجستية, هدفها صب المزيد من الزيت على الحريق السوري والحؤول دون بروز أي صوت عقلاني ينادي بصوت عال وقوي... كفى, ويؤسس لمرحلة جديدة بعد أن وصلت الاكلاف الى مستويات خطيرة, بات فيه مستقبل سوريا وشعبها أمام مفترق حقيقي تكاد المواجهة الراهنة في حلب تشكّل جزءاً مفصلياً من تجلياتها, ناهيك عما ينتظر البلاد والعباد من مصير مجهول, اذا ما قدّر للمتمردين وأعوانهم من تحويل حلب الى بنغازي اخرى, بكل ما تحمله التجربة الليبية من مآس وخسارات وارتهان ليبيا لمشروعات واجندات ليس لها عنوان جامع غير الفوضى والتقسيم والاقتتال وغياب الديمقراطية (دع عنك اكذوبة الانتخابات) والتنمية والعدالة الاجتماعية والحريات العامة وحقوق المرأة والاقليات.
مؤخراً.. التقطت مجموعة من شخصيات المعارضة السورية اشارات المرحلة الراهنة (والمرعبة كما يجب التذكير) التي تمر بها سوريا وامتلكت من الشجاعة وبُعد النظر والحكمة, ما دفعها الى اصدار نداء بات يعرف بـ(نداء روما) طالبت فيه بالقاء السلاح والعودة الى لغة الحوار.. صحيح انهم حمّلوا الحل الامني الذي اعتمدته السلطة خيارا لها مسؤولية رئيسة في وصول الاوضاع في سوريا الى هذا الحد الخطير من التدهور, إلاّ انه صحيح دائما ان هؤلاء (17 شخصية) ممن يصعب على احد التشكيك في وطنيتهم وحبهم لبلادهم وشعبهم وبعضهم امضى سنوات في العمل السياسي المعارض (كما في السجون) رأوا ان العسكرة هي الطريق الاقصر لتدمير سوريا وارتهانها للوصاية الاجنبية وخصوصا في تفتيتها ومذهبتها وتطييفها وانزلاقها في اتون الحرب الاهلية.
اللافت ان «نداء روما» صدر عبر اللقاء الذي نظمته جماعة «سانتا اجيديو» الايطالية المعنية بتشجيع لغة الحوار فيما لم تبادر أي عاصمة أو منظمة عربية الى رعاية لقاء كهذا, بل ان جامعة الدول العربية عندما دعت المعارضات السورية الى الاجتماع هدفت الى «توحيدها» بهدف دفعها لمزيد من التشدد ورفض الحوار مع النظام وتأهيلها كي تكون بديلا للنظام واضعة الاصلاح السياسي (الذي اتخذته ذريعة في البداية) خلف ظهرها طالبة رأس النظام.
جملة القول: ان رائحة النفاق الذي يمارسه الغرب (ومعظم العرب) ازاء سوريا تزكم الانوف, فهم في حرصهم المفاجئ على «حلب» انما يريدون خلق متاريس وخطوط هدنة في المدن السورية, تمنح المتمردين مكانة موازية على الارض فيما يغيب الحوار السياسي وليس من عنوان مكتوب على الجدار الغربي والعربي سوى... تنحي الرئيس واسقاط النظام.
هل ثمة عاقل يصدق ان المسألة على هذه الدرجة من البساطة؟
اقرأوا تصريحات عبدالباسط سيدا يوم امس الذي بدأ يوزع المناصب ويحدد مواصفات مَنْ سيُشكّل ويدخل «الحكومة الانتقالية» حيث يجب (في نظره) ان يكون شخصية وطنية نزيهة رافضا التنسيق مع مناف طلاس في محاولة للالتفاف على المعلومات التي تقول ان العميد المنشق هو «الحصان الاسود» لانقرة وعواصم عربية معروفة ومنخرطة بقوة في الأزمة السورية.
(الر اي )