تسديد فواتير أخطاء الحكومات

اليوم، ونحن على أعتاب البدء ببرنامج تصحيح اقتصادي تفضل الحكومة أن تطلق عليه مسمى برنامج "إصلاح"، لا يجوز المباشرة بالتطبيق قبل أن تقال كلمة حق وصدق تدين كل من أوصلنا إلى هذه الحال.
وقبل تنفيذ البرنامج الذي سيحمل في طياته قرارات صعبة، يلزم كشف أخطاء المسؤولين السابقين الذين طالما ارتكبوا الخطايا بحق الوطن والمواطن وهم يمطروننا بنظريات الاقتصاد التي ستجعل من الأردن سنغافورة أو سويسرا.
وحتى لا أكرر وأعيد، أود التذكير فقط بأن الأردن تخرج من برامج التصحيح على أحسن حال، على الأقل لناحية المؤشرات الرقمية؛ إذ كان عجز الموازنة ومعدلات النمو والدين في حدود آمنة لا تجعلنا نقلق ونحسب مآل الوضع الاقتصادي السيئ، ونهجس كل يوم بسيناريوهات العام 1989 التي أحرقت الأخضر واليابس.
ولو أنهم أدوا دورهم بأمانة، وحرصوا على المواطن ومصلحته، وأدركوا هول المسؤوليات في أعناقهم، لاجتهدوا أكثر في حماية البلد من البلاء الاقتصادي. ولو أنهم طبقوا شيئا من الأفكار التي طرحوها، لكنا في حال أحسن.
لكنهم، للأسف، قالوا الكثير وفعلوا عكس ما قالوا! فبدلا من تكريس مبدأ اعتماد الاقتصاد على ذاته، صارت المساعدات الخارجية، العربية والأجنبية، صمام أمان ومركب نجاة من الصعب الاستمرار بدونها. وبدلا من ترشيق القطاع العام، صار لدينا 61 مؤسسة مستقلة.
ولو أنهم طبقوا كل الاستراتيجيات التي قيلت وأطلقت وسط زفة إعلامية؛ لاسيما تلك المتعلقة بالفقر والبطالة والأجور والطاقة والمياه والاتصالات، لتجنب البلد معاناة كبيرة نشهدها كل يوم.
ولو أنهم أحسنوا اقتصاديا لغفر الناس لهم سياسيا. أما أن تتراجع الحياة السياسية ومستوى الحريات والعدالة وتُفقد سيادة القانون وتضعف المؤسسات وتضيع الثقة بها، وتمضي الحكومات في إدارة الشأن الاقتصادي على النحو السابق، فهذا فوق طاقة احتمال البشر.
منذ أزمة العام 1989 والمواطن يدفع ثمن أخطاء الحكومات. وها هي اليوم تعيد الكَرّة، لتستمر معاناة الفرد في تسديد فواتير أخطاء الحكومات التي تناست في غفلة منها أن للمجتمع والناس قدرة محددة على الاحتمال، ولم تحسب حساب لحظة السؤال الكبير: لماذا فعلتم بنا كل هذا؟
وقبل البدء بدفع الثمن من جديد، على المواطن أن يدرك أن ضعف استقلالية قرار بعض الوزراء الاقتصاديين أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم، ودليل ذلك نمو الموازنة بشكل غير مفهوم، لتقفز من 3.1 مليار دينار فتقارب 6.7 مليار دينار.
أما الفقراء والعاطلون عن العمل، فلهم أن يلوموا كل وزراء التخطيط والتنمية والعمل، الذين ما انفكوا يعلنون في مؤتمراتهم الصحفية أن مشكلتي الفقر والبطالة أولويتهم، رغم أن النتائج تؤكد غير ذلك، وكأنهم قصدوا عكس ذلك تماما!
مجالس النواب، ومخرجات قانون الصوت الواحد "البائس"، هي الأخرى ملامة، فبعد أن قصرت السلطة التشريعية عن أداء دورها الرقابي على كل السلطات، وسمحت للحكومات المتعاقبة بإهدار المال العام وإضاعته، وصل البلد إلى ما هو عليه.
ولو أن السلطة التشريعية أدت دورها التشريعي، وأقرت قانونا واحدا هو "من أين لك هذا؟"، لخشي المسؤولون من التطاول على المال العام، ولوجدناه يدار بكفاءة أعلى، وهذا ما لم يحدث ولن يحدث في ظل قانون الصوت الواحد وإفرازاته.
المواطن سيبدأ مرحلة جديدة من تسديد فواتير الحكومات، لكن أدني حقوقه تفرض أن يعلم جيدا ماذا فعلت الحكومات به وبالبلاد.
والمرحلة الجديدة من القرارات الصعبة التي تقتضي رفع أسعار كثير من السلع والخدمات على مدى السنوات المقبلة، تتطلب زيادة مستوى المشاركة السياسية، حتى تتمكن الدولة من تمرير الإصلاحات التي تريد، ويكون الناس شركاء في القرار.
( الغد )