أسئلة إيران الصعبة

تم نشره الأربعاء 01st آب / أغسطس 2012 01:13 صباحاً
أسئلة إيران الصعبة
عريب الرنتاوي

تخوض طهران حروب النظام السوري من أجل البقاء، كما لو كانت حروبها الخاصة. والمعارك التي شهدتها دمشق وحلب مؤخراً، نظرت اليها ايران بوصفها “معارك الدفاع عن طهران وقم ومشهد”. ولذلك أسباب ودوافع عديدة، عالجها المحللون بكثافة خلال العام ونصف العام الأخير، وتنطلق في معظمها من “نظرية الدور الاقليمي” و”المكوّن المذهبي” و”الصراع على زعامة العالم الاسلامي” و”الذود عن المصالح الوطنية”.

لكن الأسئلة التي ما زالت تسكن عقول المحللين وتشغل جُلّ تفكيرهم، تدور بالأساس حول الشوط الذي يمكن أن تبلغه ردة الفعل الايرانية على سقوط الأسد أو اسقاط نظامه، سواء تم ذلك عبر “انقلاب داخلي” أو من خلال “انشقاقات واسعة” في صفوف الجيش والأمن والنظام، أو بواسطة تدخل عسكري أجنبي بصرف النظر عن ذرائعه و”أغطيته”، أكانت توفير “ملاذات أمنة” أو “تأمين أسلحة الدمار الشامل السورية” التي كَثُر بشأنها الحديث مؤخراً.

“ايران ستوقف تقدم العدو في سوريا”، هكذا صرّح نائب رئيس الأركان الايراني مسعود الجزائري. وفي “التسريبات الايرانية” أن طهران أبلغت أنقرة بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي حال وقوع أي تدخل عسكري تركي (أو عبر تركيا) ضد سوريا. وثمة تصريحات وتلميحات تصدر عن ايران وحلفائها في المنطقة، تذهب صوب خيار “قلب الطاولة على رؤوس الجميع” أو “خيار شمشون”، فأين هي الحقيقة من بين كل هذا الركام الهائل من المواقف و”التسريبات” المبثوثة للاعلام، ومن خلاله لكل من يعنيهم الأمر؟ أين هي الحقيقة في ضوء سيل التصريحات الايرانية المتناقضة حيال سوريا، والتي تصدر عن تيارات ومراكز قوى مصطرعة، ميّزت تجربة “الجمهورية الاسلامية” وطبعت أداءها طوال العقود الثلاثة الفائتة؟ المؤكد أن ايران ستخوض معركة الأسد حتى النهاية، فان فشلت في حفظ النظام ورأسه معاً، ستخوض معركة انقاذ النظام من دون رأسه ورئيسه. هذه حقيقة لا يرقى اليها الشك، وقد تمت ترجمتها على أية حال، في “شريان الدعم الايراني المالي والاقتصادي والعسكري والأمني للنظام في سوريا”، والذي كان كفيلاً حتى الآن، بضمان تدفق “نسغ الحياة” في الشرايين المُتضيّقة للنظام.

وستواصل طهران وقوفها الى جانب الأسد، من منطلق حفظ “المصلحة الوطنية” بالأساس، وعلى اعتبار أن دمشق خط الدفاع الأول عن دور طهران في المشرق والهلال الخصيب والصراع العربي الاسرائيلي، فضلاً عن الدوافع المذهبية التي لا يمكن انكارها في دولة يقوم دستورها على “مرجعية المذهب”. وليس لدينا شكوك أبداً بأن طهران ستكون آخر من سيتخلى عن النظام السوري.

لكن المرجح، أن ايران لن تدخل حرباً اقليمية واسعة النطاق دفاعاً عن نظام الأسد، حتى بفرض حصول التدخل العسكري الأجني (بمشاركة تركيا أو بتسيهلات من لدنها). فاذا كان “تشخيص مصلحة النظام في طهران” يقتضي دعم نظام الأسد، فان الأولوية بالنسبة لطهران تتجلى في بقاء النظام أولاً، وهذا يملي على أركانه ومرجعياته، عدم الدخول في مغامرة قد تنتهي بانتهاء النظام، وعندها لن يكون مفيداً أبداً الحديث عن “مصلحة” و”دور” و”مذهب”.

على امتداد ثلث قرن من حكم “الثورة الاسلامية” في ايران، أظهرت الدولة بمؤسساتها ومرجعيتها الدينية “الولي الفقيه” براغماتية عالية جداً. كانت تعرف أين تتشدد وأين تعتدل، متى تطلق النار ومتى توقفها، متى تتقدم ومتى تتراجع، ولقد ثبت بالملوس، أن “المصلحة الايرانية” أقوى بكثير من منظومة القيم والمبادئ الناظمة للدولة ومشروعها السياسي والفكري (وهذه ليست سمة خاصة بالنظام الايراني وحده على أية حال)، بدلالة أن ايران لم تُبق ورقة في يدها لم تستخدمها في علاقاتها الدولية وسياستها الخارجية، دعمت جورجيا المسيحية ضد أذربيجان الشيعية، و”سهّلت” لواشنطن احتلال أفغانسان والعراق، قبل أن تنقلب عليها.. قاتلت القاعدة بما هي حركة وهابية اقصائية معادية للشيعة “الروافض”، وأبقت خيوط الاتصال مع نشطائها واحتضنت نفراً من أبرز قياداتها.. دعمت أنظمة “ثورية” ولم تبخل في دعم أنظمة حليفة لـ”الاستكبار العالمي” طالما أن المصلحة تقتضي كل هذا وذاك وتلك.

الموقف النهائي لطهران من مآلات الأزمة السورية، سيتقرر في ضوء ما ستشهده هذه الأزمة من تطورات وسيناريوهات، وكيف ستتأثر بها دول المنطقة، خصوصاً في لبنان والعراق، حيث لايران نفوذ ومصالح لا تخفى على أحد. لكن ايران لن تذهب في مختلف الأحوال الى “خيار شمشون”، هذا ليس “أسلوب” القيادة الايرانية، ولا هو منهجها، وهي من قبل ومن بعد، ليست مضطرة للجوء اليه.

حتى بفرض وقوع “تدخل أجنبي” فان ايران اختزنت خبرات هائلة في جعل حياة الأمريكيين والأوروبيين و”الأطلسيين” في الدول المحتلة (العراق وأفغانستان) صعبة للغاية. والأرجح أنها ستفكر بهذين النموذجين وهي تصوغ استراتيجيتها المقبلة حيال سوريا. لكن مشكلة “سيناريو” كهذا، أنه يفترض احتلال مباشراً للأرض السورية، وهذا ما لا تفكر فيه مختلف الأطراف (ربما باستثناء تركيا) المرشحة لدور من هذا النوع.

سيناريو “الميليشيات” المرتبطة بقوى وطوائف ومذاهب مؤيدة لايران، يمكن أن يكون واحداً من “السيناريوهات” التي فكّرت فيها ايران لضمان حصتها المتآكلة من “الكعكة السورية”. هذا أيضاً أمر قابل للتفكير به، وثمة تربة خصبة تتهيأ في سوريا الآن، لنشوء “الميليشيات” و”رجال القبائل المسلحين” وربما “الصحوات”. ولقد برهنت ايران على أنها لاعب مُجرّب في هذا الميدان.

أياً يكن من أمر، فان ايران تتعامل مع النظام السوري كأنه باقٍ أبدا.. وتعد العدة لما بعد سقوط هذا النظام، وكأنه حاصلٌ غدا. ومخطئ من يظن أن سقوط الأسد أو اسقاطه، سيوقف حمام الدم والاقتتال والحرب الأهلية في سوريا. مخطىء من يظن أن بقاء الأسد على رأس سوريا والنظام، يمكن أيضاً أن يوقف المذابح والمعارك المتنقلة والتفجيرات والاغتيالات. لقد دخلت سوريا في “النفق المظلم” ولن يكون بمقدورها الخروج منه، الا بعد أن تتوصل الأطراف الاقليمية والدولية الفاعلة في الأزمة، الى القناعة القائلة بأن استمرار الحال من المُحال، وأن الوقت قد حان لـ”تسوية/ صفقة”، تنقل سوريا الى عهد جديد، ولا أقول الى “الديمقراطية”، لأن ما تنتظره سوريا يجعل التفكير بـ”الديموقراطية” ترفاً فائضاً عن الحاجة.

(الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات