مع حلب البياض

نقف مع حلب الكبرياء والعز والتصميم. ونتذكر معها ولها وبها، سيف الدولة الحمداني، وبطولاته الحمراء وسيفه المصلط على الأعداء، ونستنهض هممنا من شاعرنا الأكبر، أبي الطيب المتنبي، ونستعيد خيله وليله وبيداءه، وحكمة البعوضة التي أدمت مقلة الأسد. نقف مع مدينتنا الصامدة، التي لا نملك لها إلا مجانيق السماء (الدعاء)، فندعو الله بدموع ليدق المسمار الأخير في نعش طاغية الشام.
فيا حلب التاريخ الضارب في أعماق القرون والحضارات والشعوب، يا شهباء خليل الرحمن، يا من جاء اسمك من الحديد والنحاس والبأس، ويا من كنتِ البياض وحليبه، وكنت (حل لب) إذ تجمعين الناس في لب واحد. ها أنت تجمعين العزم على اسقاط الصنم. فيداك طيب وحليب.
الطاغية بشار أفلس ودخل في الجدار، ولن نستغرب قصفه العشوائي على رؤوس أهله وشعبه، ولن نستغرب نزوح الآلاف، ولن نستغرب أن يطلق كيمياء الصواريخ عليهم في القريب، ولن نستغرب أن يحرق البلاد والعباد، فقد عرف مصيره المحتوم ودخل تخبط ما قبل السقوط.
قد فات طبيب العيون المتعامي، أن العين تقدر وتستطيع أن تلاطم مخرزاً، بكل بحلقة وتحديق، وأن الكف الأعزل، العاري إلا من الأصابع، يستطيع أن يبارز سيفاً بتاراً بشعبتين، أو أكثر، وأن الصدر المشهر على مطر الرصاص في الشوارع يناطح دبابة هوجاء.
ويعرف طبيب العيون الغافل، أن أحلك ساعات الليل دلهمة وظلمة، تلك التي تسبق الفجر بقليل!. فمنذ متى تستعصي على الشعوب المعجزات وأشباهها؟!، ومنذ متى تقاس الحرية، بوحدات دم تراق في شرايين الطرقات وفوق الأرصفة؟!. ومنذ متى طار طير، وارتفع لسابع سماء؟!.
يقولون لم يعد هناك ثورة، أو مظاهرات تطالب بإسقاط النظام، فنضحك لقولهم وسذاجتهم، فهل كان بشار وشبيحته يعتقدون أن الشعب سيبقى يقدم جسده طيعاً لوابل رصاص قناصته. فالدم لا يجر إلا الدم، والعنف لا يولد إلا عنفا.
وسنذكر الطاغية بأول كلمة قيلت له، عندما بدأت الحركة الشعبية المطالبة بالحرية والتغيير، في مدينة درعا، في آذار 2011: لا تقتل يا بشار!!، لا تقتل يا بشار، فكل شيء يغسل إلا الدم، وكل شيء يشربه أديم الأرض، إلا الدم. فالدم هو اللغة الوحيدة، في هذا العالم، التي لا تحتاج إلى ترجمان، أو بيان.
اقتربت الساعة، فما من طاغية وصل أعنة السماء. فسلام على حلب وأخواتها في العالمين. ( الدستور )