في جوار معاذ بن جبل

ينتهي سهل حوران غربا عند منحدرات تذهب بعابريها إلى بيت المقدس، مرورا بنهر الأردن وغوره حيث استقر عند أطراف جبال هناك، في منازل للجسد أضرحة صحابة للرسول منهم معاذ بن جبل، الذي نال حب سيد الخلق بالله، احد أربعة للكتاب مرجعا، الجميل الطويل الأبيض مقطقط الشعر وصفا، مخرج الكلام من فيه دررا. وهو الذي شكر ربه على بلاء طاعون عمواس، ودعا الناس إلى صبر وابتهال. وقد حل المكان بعد ولاية جند اليمن قاضيا، حاملا للشام بذور لنشر الإسلام وقد فعل وما زال.
كان معاذ في الجمعة الثانية من رمضان الجاري وثامن الأيام المباركة منه على عهد ما استقر عليه منذ الثامنة عشر للهجرة سنة، مستقبلا طيبا كريما للقادمين إليه جوارا بلا توقف، دونما كلل أو ملل، فالمتسع لا ينتهي، ومنح السكينة أكثر منها للمشيعين عنده والمودعين في مواكب الذهاب الأخير، وتشاهد بارزة ابتهالا وتسبيحا بحمد من أعطى ومن اخذ حقا معلوما على الاجمعين.
وقد كان أن أودعنا الوالدة أمنا هناك؛ احتسابا عند المولى بفضل من قيض تحول عصرا بموعدنا إلى ظلال وافياء ونسائم قل ما يكون منها تموز.
وكان فضل رمضان استجابة دعاء الصائمين فيه، وفضل الجمعة المباركة، ثم فضل النفوس المطمئنة، ومن يرجع منها راضية مرضية داخلة في عباد الرحمن وجنته.
من لا يشكر الناس لا يشكر الله، وقد أضافوا فضل المواساة والتعزية، وأمونا جماعات وزرافات، وأفاضوا بالدعاء وتلاوة الذكر الحكيم، فكانوا خير الأهل للسراء والضراء.
سلام بالأرض وسلام أكثر بالسماء يلف الذين تطهروا بالإيمان وجدا وفطرة بالروح وعاشوا وماتوا عليه، وللذين أدوا الأمانات ما نقصت، وكانت لهم ضياء حق بالدنيا وسبيلا لرحمة ربهم. ويكفينا من نهاية الدنيا جوار معاذ، ومن الآخرة رحمة من غفور ما انقطع السعي من اجله أبدا، وهي خير وأبقى.
( السبيل )