بعد أن تصمت «الدبلوماسية»

تم نشره السبت 04 آب / أغسطس 2012 01:41 صباحاً
بعد أن تصمت «الدبلوماسية»
* عريب الرنتاوي *

بسقوط مهمة كوفي عنان، واستقالة الرجل من أخطر مهمة كُلف بها منذ مغادرته مكتبه في نيويورك، تكون الكلمة الفصل في الأزمة السورية قد آلت للرصاص والقذائف، فقد صمتت الدبلوماسية أو أُخرست، وآن أوان الحسم في ميادين القتال المفتوحة على مختلف الاحتمالات، وعلى مساحة من الزمن قد تقصر وقد تطول أيضاً، لا أحد يعرف.

بمشاعر البهجة، الممزوجة بكثير من الشماتة، استقبلت بعض العواصم استنكاف عنان، ونهاية مهمة لم تحظ بترحيبها منذ اليوم الأول لانطلاقتها...فقد بات واضحاً لكل ذي عين وبصيرة، أن العواصم الثلاث المؤثرة في المنطقة، عملت على إحباط مهمة عنان والإعلان عن فشلها المبكر والمطالبة بتغيير التفويض الدولي الممنوح لصحابها، واستحقت هذه العواصم تبعاً لذلك، انتقادات عنان العلنية، الذي طالما حمّل الدول التي تزود النظام والمعارضة بالسلاح الفتّاك الذي لا وظيفة له سوى إطالة أمد الأزمة وتعقيدها، وزيادة عمليات القتل الفردي والجماعي التي تحصد أرواح الألوف من الأبرياء وغير الأبرياء سواء بسواء.

هذه العواصم الثلاث، ومعها ثلاث عواصم دولية رئيسة ثلاث أيضاً (باريس، لندن وواشنطن) وجدت في الاستقالة ضالتها للإنقضاض لا على النظام السوري الذي حملته مسؤولية فشل عنان فحسب، بل وعلى موسكو وبكين اللتان اتهمتا بإحباط مهمته باستخدامها لـ”الفيتو المزدوج والمتكرر” في مجلس الأمن، ودائما لحسابات حفظ المصالح ومدّ السيطرة وتوسيع النفوذ.

لكن خبر استقالة عنان نزل كالماء البارد على عواصم ظلت تراهن على حل سياسي للأزمة السورية...من بينها موسكو وبعض الدول الأوروبية ووزيرة خارجية أوروبا، هذه الأطراف سارعت إلى المطالبة بتعيين خلف للموفد المشترك، لكي لا تبقى الأزمة السورية، والمنطقة برمتها، نهباً للفراغ القاتل، وحتى لا يظل صوت الرصاص والمدافع، وحده المسموع في طول البلاد الشامية وعرضها.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: ما الحاجة لاستبدال عنان بغيره من الموفدين، طالما أن الأسباب التي أدت إلى فشل “السلف” ستكون كفيلة بإحباط مساعي “الخلف” ؟...وما الذي يدفع المطالبين بتعيين موفد جديد لإبداء اليقين أو حتى الأمل، بأن الأخير “سيأتي بما لم تستطعه الأوائل”؟

لقد فشل عنان لأن جميع الأطراف المعنية بالأزمة لم تكن مستعدة لتمرير “نقاطه الست” بكل نزاهة والتزام...النظام لم يبد الجاهزية والاستعداد الكافيين للانتقال إلى الشق السياسي (أو حتى الأمني) من مهمة عنان...المعارضة المسلحة كانت صريحة وسبّاقة في رفض مهمة عنان...العواصم المتورطة في تسليح المعارضة وتدريبها، المهجوسة بالعسكرة والحسم العسكري اتخذت من المبادرة وسيلة لتقطيع الوقت، لاستكمال التدريب والتهريب والتأهيل والتجهيز والتحضير للعمليات الكبرى التي تدور في مختلف المدن السورية وأريافها...جميع هذه الأطراف مسؤولة وإن بأقدار متفاوتة، عن “نهاية رجل شجاع” أظهر قدرته على تسمية كثيرٍ من الأشياء (لا كلها) بأسمائها، ووضع كثيرٍ من نقاط الأزمة السورية (لا كلها) على حروفها.

لسنا على يقين مما إذا كان مجلس الأمن الدولي سيُقدم على اختيار بديل عن الموفد المستقيل...لكننا على يقين بأن عصر التسويات السياسية للأزمة السورية قد انتهى، أو هو على وشك أن ينتهي...فلا أحد استوقفته استقالة الرجل أو توقف عندها طويلاً...العيون متمسمرة صوب “أم المعارك” في حلب، والتي منها سيأتي “النبأ اليقين” بخصوص مسارات الأزمة السورية ومصائرها.

الكلمة العليا الآن هي للسلاح، وسيظل الحال على هذا المنوال، إلى أن يحقق أحد الفريقين نصراً حاسماً، يستطيع من خلاله أن يقطع الشك باليقين، وعلى الأرض لا في الفضاء، أو إذا وصلت خيارات الفريقين إلى طريق مسدود...المعارضة لم تستطع حتى الآن هزيمة النظام أو تفكيكه، وأيام الأسد ليست معدودة كما قيل من قبل، وقبل أن نتوقف عن العَدّ...والنظام بدوره لم يستطع أن يقصم ظهر المعارضة، برغم الهجوم الشرس الذي شنّها عليها طوال 17 شهراً، وبالأخص في الشهر الأخير.

معركة حلب المرشحة لأن تكون مريرة ومديدة، ستؤشر على اتجاهات تطور الحدث السوري الذي يشغل العالم ويهزه، وإن كانت من وجهة نظرنا، بعيدة عن أن تكون خاتمة المطاف...لكن بعد حلب سيتضح ما إذا كانت الأطراف قد أعياها استمرار الصراع، وقررا الجنوح لخيار “الانتقال السياسي”، أم لعبة الموت ستسمر في حصد الأرواح وتعميم الدمار والخراب.

من ضمن ما قاله الموفد المرتحل، أن “الأسد راحل إن عاجلاً أم آجلاً”...وهو في ذلك مُحقٌ تماماً، ولا يمكن اتهامه بأنه يصدر عن أجندة سعودية (لم يزر السعودية) أو قطرية أو تركية، وهو طالما حظي بالإطراء من قبل النظام السوري، فلم يعد مقبولا بعد كل ما مرت به سوريا، أن يفكر البعض ببقاء “القديم على قدمه”، هذه مرحلة تلفظ أنفاسها الأخيرة...وقد آن الأوان للتفكير بـأسئلة المستقبل السوري.(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات