الفساد

في أواخر السبعينيات من القرن الماضي كنت أشغل مركز نائب أمين العاصمة، واستلمت عدة مرات مركز أمين العاصمة بالوكالة.
والجميع يعلم أن أمانة العاصمة على مساس بمعظم المواطنين، لهم عندها تراخيص وموافقات ومطالب واعتراضات، وغير ذلك من الأمور.
وقد انهالت علي المطالبات والمراجعات المحقة والباطلة، فكنت استجيب للمحق فقط -وليس ذلك ادعاء- بعد أن مر كل هذا الزمن على الأمر ولكنه الواقع الذي يشهد به الأعداء قبل الأصدقاء.
وفي أحد الأيام كنت جالساً في مكتب أمين عمان؛ باعتباري أميناً للعاصمة بالوكالة بسبب سفر الأمين خارج البلاد، جاء إلى مكتبي أحد أقاربي يحمل أوراقاً كثيرة، وطلب ترخص بناء في جبل عمان لملاك كبير في عمان، وقال لي: يا قرابة طول عمرك فقير، فلماذا لا تستغل الظرف وتصلح أحوالك المادية؟
فقلت له: كيف ذلك؟
فقال: وافق لنا على هذه المعاملة، وسيقوم صاحبها بتسجيل دونم ثمنه خمسين ألف دينار باسمك؟ وذهلت! وخرجت من فمي كلمة حتى أنت يا قريبي! هل تجهل سيرتي ومبادئي وأخلاقي لتطلب مني هذا الطلب؟
فقال: لا والله لا أجهل ذلك، ولكن كل الناس يساعدون بعضهم، وقلت له هذه ليست مساعدة هذه رشوة! فهل تقبل مني أن يقول عني الناس في المستقبل واحد مرتشي؟ وخجل وسحب المعاملة وقال لعن الله الذي دفعني إلى هذا الموقف وانصرف.
وفهمت منه أنه قاوم الضغوط عليه لمراجعتي أكثر من شهرين، حيث قالوا إنت جرب ان قبل فله دونم ولك ألف دينار، وان رفض كل شيء بدار أصحابه.
تذكرت هذه القصة التي مر عليها اكثر من اربعين سنة، وأنا أرى انتشار الفساد، وخاصة في دوائر الدولة والبلديات والمؤسسات وحتى الشركات ما يزال سيد الموقف، وما زال المرتشون في مراكز صنع القرار وإعطاء التراخيص والموافقات وتقديم الخدمات للمواطنين.
ولا أظن أن الحال سيتغير ما دمنا سائرين في نفس الطريق وفي وضع الفاسدين، وغير القادرين ( السبيل )