دعوة مظلوم

قدم وفد العراق للحج في زمن سيدنا عمر بن الخطاب، وكانت عادة أمير المؤمنين، وقائد المسلمين أن يلتقي بالوفود أيام الحج فيجالسهم ويسامرهم ويستمع منهم ويستمعوا منه دون شروط أو قيود. فعمر لم يكن يأمن أن تخفي عنه حاشيته الحقائق أو ان تقلب له الوقائع أو تُبسِط الخطير أو ترفع الصغير، فسأل عن واليهم سعد بن أبي وقاص فقام رجل من الوفد فقال: إنه لا يعدل في الرعية، ولا يمشي في السرية، ولا يخرج إلينا حتى يُضحي ( أي يحين وقت الضحى). ويأخذ عمر الشكوى على عاتقه مأخذ الجّد، فهو المحاسب عليهم عند الله تعالى وليس سعداً. وهو المؤاخذ وليس سعداً، وهو الملام وليس سعداً، وهم في عنقه وذمته عند الله وليس سعداً، وماذا سيغني عنه سعد بين يدي الله تعالى؟! وهل ستبرأ ذمته إذا قال يا رب ولَّيت عليهم سعداً فسل سعداً ما صنع؟!
ويستضيف وفد العراق عنده ويُرسل إلى سعدٍ أن أقدم إليَّ لأسمع منك فيما قالوا، وكان عمر رجلاً عاقلاً يسمع من الطرفين ولا يصدق واحداً على الآخر، ويَقدم سعد من العراق الى الخليفة، فأعاد المشتكي ما قال فقال سعدٌ: يا أمير المؤمنين كذب في اثنتين وصدق في واحدة، أما أني لا أعدل في الرعية فوالله ما لواحد منهم عندي مظلمة ، ولا خصصت نفسي بشيء دونهم. وما جرت في عطاياهم، وأما أني لا أمشي في السرية فما سيّرت سرية في سبيل الله إلا كنت فيها وهم شهود على ذلك وأما أي تأخر في خروجي إليهم، فقد ولدت امرأتي وليس لنا خادم يخدمنا فإذا استيقظنا كنست البيت وخبزت الخبز، وأصلحت شأن أهلي ثم أخرج الى مجلس الحكم، ثم قال : يا أمير المؤمنين أقسمت عليك إلا أقلتني من عملي او يقبل عمر الاستقالة، وكأنه يقول إنهم لا يستحقون مثلك. وأما المشتكي أطال الله عمره وأفقره حتى رؤي رجلاً كبيراً في السن قد نزلت حواجبه على عينيه يتكفف لقمة العيش، ويتغزل بالجواري فيضربنه ويشتمنه هو يقول: شيخ كبير فقير مفتون قد أصابتني دعوة سعد!!
جميل أن تعلم أن دعوة المظلوم لا تُحجب عند الله تعالى ولا يوقفها ملك مقرب، بل تنفذ الى ملك الملوك مباشرة، والاجمل أن تتقي دعوة المظلوم، سواء الظلم المباشر يبدك أو أمرك أو توقيعك، أم الظلم غير المباشر بأن تولّي على الناس من يسومهم سوء العذاب فيهضم حقوقهم ويصغر كبارهم ويحابي صغارهم، وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: (وأعوذ بك من قهر الرجال) الظلم عند البشرية وقاتل الإنسانية. وقد تبرأ الله تعالى منه فقال: ( وما ربك بظلام للعبيد)، (وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين). الظلم ضعف حُجة ، وقلة تدبير ونصيحتي اليوم - اتق دعوة المظلوم. ( العرب اليوم )