أزمة الاتحاد العام لنقابات العمال

الحركة العمالية الأردنية تواجه أزمة حقيقية خلال الأعوام الأخيرة من خلال ما يصيب الاتحاد العام لنقابات العمال في الأردن من انقسامات وانشقاقات بدأت تأخذ طابعا متسارعا في الآونة الأخيرة، في الوقت الذي لا تلوح فيه في الأفق أية بوادر أو مبادرات لاحتواء الإشكالات العديدة التي تعصف بالقطاع العمالي الأردني، لتحوله إلى بؤرة من النزاعات التي تأخذ طابع الاتهامات المتبادلة والمواقف العنيفة من كل طرف تجاه الآخر، بدلا من تعزيز دوره في الإنتاج الوطني وتصويب أية اختلالات تعترضه منذ زمن بعيد!
تتوالى الانقسامات في نسبة لا بأس بها من النقابات العمالية التي لجأ بعضها إلى تكوين مجموعات مستقلة عن النقابة الأم، بل وصل الأمر إلى إنشاء اتحاد نقابات عمالية مستقلة عن الاتحاد العام، لان الحوارات وصلت الى طريق مسدود في التفاهم بين القوى المتصارعة على تسوية الخلافات العمالية الناشبة منذ اكثر من عقدين من الزمن، وتتركز على التمترس خلف قيادات مزمنة في مواقفها غير مستعدة للتغيير أو التبديل في مواقعها ولو كان ذلك لحسابات شخصية أحيانا على حساب الصالح العام.
من حق الحركة العمالية الأردنية التي يقدر عددها بنحو مليون وربع المليون عامل وعاملة أن تجد استقرارا في بنيتها التنظيمية، سواء على صعيد النقابات في مختلف القطاعات او فيما يتعلق بالاتحاد العام الذي يفترض أن يبقى مظلة تخدم الجميع لا أن يحابي فئة على اخرى، مع اتهام بعض القيادات صراحة بشبهة الفساد في إدارة أعمال الاتحاد ونقاباته، بل وصل الأمر الى شن حملات على دور هذه القيادات في الحراكات الدائرة للمطالبة بالحقوق العمالية من خلال الإضرابات والاعتصامات والتوقف عن العمل، لانها تقف ضد العمال في الكثير منها وتلتزم جانب أصحاب العمل والحكومة في تسوية النزاعات بدلا من دعم العمال الذين تمثلهم!
الموقف الرسمي يبدو انه يحابي القيادات الحالية لغاية الآن وتمثل ذلك في إعلان وزارة العمل انها لا تعترف باية نقابات مستقلة او اتحاد يوازي ما هو قائم، مع أن النقابات المستقلة تؤكد انها جاءت استنادا للمواد "16-2 و23" من الدستور الأردني بالاضافة الى مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذا ما يعمق من الأزمة العمالية ويزيدها تعقيدا وتفسخا مما يضر بأوضاع القطاع العمالي الأردني، الذي بدأ ينسحب من النقابات العمالية والاتحاد العام على اعتبار ان الواقع الحالي لا يمثل في حقيقة الأمر سوى نسبة محدودة من الأعضاء قياسا على الحجم العمالي الكلي!
إذا ما كان اتحاد النقابات العمالية المستقلة يتهم قيادات الحركة العمالية بانها تنتهج أسلوب السير الى الوراء، في حين يؤكد الاتحاد العام ان يده ممدودة لجميع الناشطين النقابيين للحوار من اجل تطوير الحركة العمالية الأردنية تحت شعار حركة عمالية موحدة، فما الذي يمنع من التوافق على نموذج عصري وديمقراطي في العمل النقابي الأردني، يتجاوز الواقع الراهن الى افاق النهوض بالقطاع العمالي وتخليصه من المعضلات المزمنة التي تعوق تطوره، للجاني الحكومي دوره في أن يكون حياديا بين مختلف الاتجاهات لا ان ينتصر لطرف ضد الآخر! ( العرب اليوم )