استراتيجية الانشقاق والانقلاب داخل النظام

دخلت الأوضاع في سورية، عمليا، مرحلة انهيار نخبة النظام من الداخل، بعد العملية النوعية التي ضربت مبنى الأمن الوطني واستهدفت الخلية الأمنية وضربت النخبة الحاكمة في الصميم. المرحلة الجديدة تتصاعد هذه الأيام مع تنامي استراتيجية الانشقاقات الآخذة في الازدياد داخل الحلقة الضيقة، وقوى النظام الأيديولوجية التقليدية، إذ برزت أسماء كبيرة انشقت إلى جانب انشقاقات ضباط الجيش، شملت سفراء وقادة أمنيين، وآخرها الأنباء عن انشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب وهروبه الى الأردن.
استراتيجية الانشقاقات تحمل دلالات خطيرة، في الوقت الذي تشير إلى انهيار النظام من الداخل وبدء عناصره في البحث عن الخلاص الفردي؛ إذ ستزداد النخبة القليلة الباقية جنونا وعنفا، ولا حدود لاحتمالات ردود أفعالها وسلوكها العسكري في العمليات الميدانية وفي القصاص والانتقام الداخلي وتصفية الحساب داخل كوادر النظام نفسه. سايكولوجيا، سيكون الانشقاق والهروب هو عنوان الأسابيع والأيام القادمة، فيما يزداد الحديث عن احتمالات أحداث مفاجئة عنوانها الانقلاب داخل النظام.
كان سيناريو الانقلاب على الأسد أحد الخيارات والاحتمالات الواردة منذ بدء الأزمة السورية. وفيما عملت ظروف عديدة ومتداخلة على تأخير هذا الخيار، أو إخراجه من سلة الخيارات الاستراتيجية، وعلى رأسه عدم نضوج هذا الطرح في ضوء ضعف المعارضة الخارجية، وعدم اليقين بوجود دعم دولي لحالة جديدة قد لا تتفق حولها القوى السياسية المعارضة المتصارعة؛ أصبح هذا الخيار خارج حسابات السنة الثانية من الأزمة.
سيناريو اغتيال الأسد الذي تحدثت عنه بعض التقارير في السنة الأولى من الأزمة، أحيط  بتكهنات ذهبت إلى أنه سوف يُدخل سورية في فوضى كبرى، ويدفع الحرب إلى الاستمرار ويحولها فعليا إلى حرب طائفية على الأرض، فإذا ما شعرت الأقلية العلوية بأنها تخرج من التاريخ السوري فإنها ستزداد تماسكا وفدائية. وبعد القضاء على رموز خلية الأزمة، لم يعد هناك من هو مؤهل للقيام بهذا الدور، وفي المقدمة آصف شوكت الذي كان يتردد اسمه لقيادة عملية انقلابية مفاجئة، نظرا لما يتمتع به من قوة داخلية وعلاقات خارجية.
في ضوء هذه التطورات، هل انتهت احتمالات الانقلاب داخل النظام؟ لا يمكن الإجابة بالنفي القاطع، فاستراتيجية الانشقاقات المتوالية قد تشكل، خلال أيام قليلة، أرضية مواتية وناضجة كانت سورية تفتقدها في الأشهر الماضية، تشمل شبكة اتصالات وعلاقات بين القادة المنشقين وقوى أخرى من داخل النظام وخارجه، تسرع في إعمال استراتيجية مفاجئة، لا يمكن لأحد أن ينكر أن الخلاص الفردي سيكون أحد محركاتها الأساسية.
وفي الوقت الذي تتوجه فيه الأنظار نحو معركة مدينة حلب، حيث تنتظر القوات النظامية أوامر من دمشق لشن هجوم على حي صلاح الدين وحسم الأوضاع هناك، تزداد المعركة الدبلوماسية المحيطة، إذ تصل وزيرة الخارجية الأميركية إلى تركيا على وقع تهديدات إيرانية بعد أن تم اختطاف 48 إيرانيا على طريق مطار دمشق، فيما المعركة الحقيقية قد تكون في دمشق وفي الحلقة الضيقة حول الرئيس.
أنقذ النظام الحالي سورية من أطول حالة انقلابات في التاريخ السياسي العربي المعاصر؛ إذ كانت البلاد قبل ذلك مضربا للتندر بسرعة وسهولة الانقلابات، فكانت دمشق تنام على رئيس وتصحو على آخر. ومن الطبيعي أن أربعة عقود من الحكم الاستبدادي بقوة الحديد والنار قد جعلت المهمة صعبة، لكن التاريخ لا يغيب مرة واحدة.

( الغد )