رسالة إلى روبرت فيسك!

اكتب اليك بلا مناسبة، اللهم الا اذا كان بقاؤك على قيد الحياة والكتابة هو المناسبة، خصوصا وانك تعيش وتكتب في هذه المنطقة التي بدأت تتحول الى مثلث بارمودا.
وان كنت احسدك ولا اقول اغبطك فذلك لأن العربي كما وصفه أحد زملائك ذات يوم، وبالتحديد حين رأى ما عاناه بدر السياب متشرداً ومريضاً ينزف في المنافي ثم الاختفاء به ميتاً، قال ستفن سبندر اتمنى ان أعيش بريطانياً وأموت عربياً.
انت تكتب كما تشاء، لا كما يشاء أحد في بلادك، ولا كما تشاء الاندبندنت ايضا، لهذا فالحرية ليست كلمة ممنوعة من الصرف في لغتك، وحين تقول لا حتى لبلادك وحلفائها في اي شجن دولي فذلك بالضبط ما مهدت له الماغناكرتا قبل سبعة قرون او اكثر.
ومن قبلك ايضا لم يدفع سيمون هرش ثمناً باهظاً لما اكتشف وكتب، وكذلك العجوز الشاب الذي كشف عن ووتر غيت، واسقط رئيساً.
نحن يا عزيزي في وطننا العربي الذي ينافس المنفى في الاغتراب والوحشة والخوف، نكتب بأصابع ترتعش، وبين ارهابين ما من برزخ بينهما أو لمبو، كما قال دانتي في كوميدياه، فعلينا ان نكون مع هذا أو ذاك، مع الله تماماًً أو مع قيصر تماماً، ثم نقلب ظهر المجن لكليهما!. ومع الاستبداد ضد الاحتلال لكي نبرره وكأن البعد الثالث الذي يفرز أطروحة مضادة وباسلة ضد الاثنين يحتاج الى يد ثالثة لا نملكها.
ما أسرع أن نتعرض للتخوين اذا غردنا أو حتى نعقنا بكلمة واحدة خارج السرب، رغم ان السرب ليس دائماً من الحمام أو السنونو؛ فقد يكون سحابة سوداء من الغربان تحجب الافق.
اخترت ان اكتب اليك لأنك لا تكتب لقارىء واحد أو مرسل اليه واحد هو حكومتك أو المتظاهر الصامت في الهايد بارك، والكتابة الى قارىء واحد ننفرد بها نحن العرب كما ننفرد بمقولة اياك أعني واسمعي يا جارة، وأنت لا تعرف رغم وجودك بيننا كم هو عسير علينا ان نقول أو نجهر بما نفكر فيه، فثمة كلام للاجترار والبوح مقابل همس للذات وذوي القربى، وما عليك كصحفي يراسل صحيفته من منطقة منكوبة سياسياً وتاريخياً وليس بالزلازل والبراكين الا ان تراجع ما يكتبه زملاؤك في هذه المنطقة لمقارنته بما كتبوه قبل ثلاثة أعوام فقط، فثمة من يغيرون آراءهم أسرع من تغيير ملابسهم الداخلية في الصيف، فالشمس تشرق أحياناً من الغرب أو الشمال والارض ليست مستديرة ولا تدور، ودرجة الحرارة أربعون فقط، وممنوع عليك ان تضيف انها فوق الصفر او تحته.
ان من صنعوا الديكتاتور كما صنع اسلافهم آلهة من تمر والتهموه هم الذين يريدون منا ان نضرس النوى، فهم رجال ونساء لكل العصور وخيارهم في الخريف هو خيارهم في الربيع.
أحسدك ولا اغبطك لأنك تكتب بلغة اخرى لا تقبل كل هذا التأويل والتقويل والمجازات لان لا ناس في بلادك كما يقول مثل انجلوساكسوني قديم يسمون المجرفة مجرفة ولا شيء آخر، بينما نحن بفضل فائض بلاغتنا التي نزهو بها على العالم نسمي الخائن بطلاً والسمسار وسيطاً والجاهل المسلح علاَّمة، تماماً كما نسمي السجون أوطاناً!. ( الدستور )