واشنطن تهدد مصر

بغض النظر عن هوية المجموعة التي هاجمت النقطة الحدودية المصرية، وقتل و جرح 31 جدياً مصرياً، فإن التحليلات الأمريكية، خاصة المقربة من الإدارة الأمريكية و من اللوبي الصهيوني، فضحت الأهداف الحقيقية للعملية ومن وراءها - إذ أن الأفراد الذين استخدموا كما يكون الوضع في الكثير من الأحداث المريبة هم مجرد أدوات لا تعي المآرب الحقيقية .
التحليلات الأمريكية، تشير أن العملية هي وسيلة لتعميق ارتباط مصر بإسرائيل عن طريق توثيق التعاون الأمني – العسكري بحجة مكافحة الإرهاب والحفاظ على الامن الوطني المصري.
أي تعديل معاهدة كامب ديفيد لتعزيز وتوسيع التواجد العسكري المصري في سيناء ضمن شروط التعاون التام مع الجيش الإسرائيلي.
صحيح انه تم تعديل أحد بنود كامب ديفيد العام الماضي ليتيح تواجداً محدوداً للجيش المصري في سيناء، ولكن التعديل الجديد الذي يدعو إليه محللون إسرائيليون وأمريكيون – قريبون من صناع القرار- هو توريط الجيش المصري ببنود تعاون أمني جديدة، تضمن مصالح إسرائيل.
أي أن الإستراتيجية الأمريكية- الإسرائيلية بعد الثورة المصرية انتقلت من استمرار سيناء كمنطقة معزولة من السلاح- المقصود سلاح الجيش المصري- إلى تعزيز تواجد الجيش المصري حتى يصبح أمن إسرائيل جزءاً من الأمن الوطني المصري.
وبكلمات أكثر تحديداً هو أن تصبح معاهدة كامب ديفيد إحد مرتكزات الأمن والاستقرار في مصر، أو كما قالت النيويورك تايمز في افتتاحيتها اليوم:" لن يكون هناك استقرار حقيقي في مصر إذا لم تجد وسائل للتعاون مع إسرائيل في القضايا الأمنية وبأن تستمر بالالتزام بمعاهدة عام 1979".
وإذا لم يكن التهديد الموجه إلى مصر الذي تضمنته افتتاحية النيويورك تايمز واضحا فقد زاده توضيحاً روبرت ساتلوف ، الرئيس التنفيذي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ، قائلاً ان على واشنطن أن تنقل رسالة واضحة إلى الرئيس المصري محمد مرسي بأن استمرار المساعدات الأمريكية سيعتمد على التزام القاهرة الحقيقي بالمعاهدات الدولية، وكامب ديفيد تحديداً.
ساتلوف ، المعروف بصهيونيته وتأثير المعهد الذي يرأسه على الكونغرس الأمريكي، لم يكتف بتهديد الرئيس الإخواني بل تعداه إلى تهديد المجلس العسكري بقطع المعونات العسكرية والدعم السياسي إذا لم يقم المجلس بالخطوات اللازمة في سيناء.
قد يكون السؤال لماذا هذه التهديدات للمجلس العسكري القريب من واشنطن، وللإخوان المسلمين بالرغم من الاستعداد الذي أظهروه للانفتاح على أمريكا وعدم معاداتهم لها؟
من الواضح أن واشنطن لا تعتبر أيا من المواقف المذكورة ضمانات كافية لحماية مصالحها ومصالح حليفتها إسرائيل، فهي تعتقد أن الخارطة السياسية قد تغيرت في مصر؛ فالثورة لم تنته بعد- بالرغم من الدخول الأمريكي على الخط- وأنه يجب إلزام المجلس العسكري من خلال توريط الجيش المصري بإجراءات عملية غير مسبوقة من التعاون الثنائي.
كما تعتبر واشنطن مرسي شخصية قيد التجربة والاختبار، خاصة ان مراكز القرار الأمريكي لا تنظر فقط إلى ما يفعله الرئيس نفسه، بل إلى التعبئة الجماهيرية التي تقوم بها حركة الإخوان المسلمين وردة فعل التنظيم نفسه على الأحداث.
فهناك امتعاض أمريكي من اتهام حركة الإخوان على موقعها الإلكتروني الموساد الإسرائيلي بالتخطيط للعملية، لأن أمريكا وإسرائيل معنيتان في تغيير الثقافة السياسية المعادية لإسرائيل وليس ترسيخها.
المقالات ، التي لا تخلو من الانفعالية، حول الموقف من مصر تدل على أن واشنطن لا تشعر أنها نجحت بالسيطرة على المسار السياسي في مصر، إلا بالتهديد لأن الثورة ، وإن حاولت أمريكا إقفال بعض النوافذ أمامها، لا زالت مفتوحة على كل الاحتمالات.
بالطبع فإن أحد أهم الأهداف الأمريكية الإسرائيلية، هو أيضاً ضمان استمرار الحصار المشدد على قطاع غزة، وعدم التفكير مجدداً بإجراءات تضعف القيود الخانقة على الفلسطينيين- ولكن هذا الهدف تحصيل حاصل للإستراتيجية الأوسع ألا وهي إحكام القبضة الأمريكية على مصر. ( العرب اليوم )