كفّة الاخوان والكفة الاخرى!

شهدت الاسابيع الماضية سلسلة من الحوارات واللقاءات بين بعض الشخصيات السياسية وقيادات من الحركة الاسلامية، لكن النتائج على ما يبدو لم تكن مجدية، فالاخوان ما زالوا يصرون على “وصفتهم” للاصلاح، ابتداء من اجراء تعديل على قانون الانتخاب.. الى تعديل على الدستور يضمن تشكيل حكومة برلمانية وحصانة للمجلس النيابي من الحل.. وانتهاء بفتح ملفات الفساد ومحاسبة المسؤولين عنه، اما “الوسطاء” السياسيون فيحاولون تقريب وجهات النظر مع الاسلاميين لدفعهم الى المشاركة في الانتخابات.. وبعدها يمكن الحديث عن المطالب الاخرى تحت قبة البرلمان.. لا في الشارع.
لا اعتقد ان لدى “الاخوان” رغبة في المشاركة، فكل العروض التي قدمت لهم ما تزال في “الهامش”، كما انهم يرون بان الرسمي يريد منهم “المشاركة” لا “الشراكة”، وبالتالي فان حساباتهم السياسية تجعلهم يصرّون اكثر على مواقفهم.. باعتبار ان “الازمة” انتقلت من “بيتهم” للخارج.. وبان “حلها” ليس بيدهم وانما بيد اصحاب القرار.
اختزال “المشكلة” في الاخوان المسلمين فقط ليس صحيحا، فمقاطعة الانتخابات التي يتبناها الاخوان مسألة لا تتعلق بهم فقط، وانما اصبحت جزءا من “المشهد العام” الذي تتوافق عليه اغلبية القوى السياسية والحراكات الشعبية، كما ان “المسيرات” التي نشهدها في الشارع اسبوعيا اصبحت خارج “الاحتكار” الاسلامي، مما يعني اننا امام “جبهة” شعبية تبدو موّحدة، ولا يقل ثقلها في الشارع عن وزن الاخوان، بل ان امتداداتها وشعاراتها وخطر تغلغلها داخل المجتمع تشكل “قوة” ضغط لا يستهان بها، ويفترض ان نتعامل معها كما نتعامل مع الاخوان، اذا اردنا ان نتجاوز مرحلة “استعصاء” الاصلاح نحو مرحلة انتقالية وديمقراطية حقيقية.
صحيح، الاخوان يشكلون “سياسيا” قوّة معتبرة، ولهم حضور في الشارع، ولا يمكن تجاوزهم، ويجب بالتالي “كسبهم” وادماجهم في عملية الاصلاح، لكن ماذا عن “شباب” الحراكات الشعبية، وماذا عن “الاصوات” الاخرى وماذا عن الفئة التي ما تزال صامتة، هل “ارضاء” الاخوان والتفاهم معهم سينهي المشكلة؟
اعتقد أننا نخطئ حين نتصور بأن مشكلة “الاصلاح” هي الإخوان فقط، ونخطئ - ايضا - حين نبالغ في تقدير “خطر” الاسلاميين، ونخطئ - ثالثا - حين نستهين بكل قوى المجتمع، الناطقة والصامتة، ونتجاهل مطالبهم، او حين نوجه حواراتنا ودعواتنا “للاخوان” ونستثنيهم، وكأنهم لا وزن لهم ولا اعتبار.
بوسعنا ان نقرأ تجربة الاردنيين منذ الخمسينيات حتى الان لكي نعرف الدور الذي قام به الاخوان في المراحل المفصلية، وهذا يكفي لكي نطمئن الى “نواياهم” وقدراتهم، وان نقرأ ايضا “دور” القوى الاخرى غير المنظمة، والتحولات التي طرأت على مواقفها الان، لنكتشف ما الذي يفترض ان يوجه بوصلتنا، ولنعرف ما لهذه القوى “الطالعة” من تأثير في مجتمعنا.. ولكي نستدل ايضا خطورة تجاهل هؤلاء.. وتوجيه “الانظار” عنهم نحو جهة واحدة هي “الاسلاميين”. وكأن المعادلة في بلدنا لها طرفان فقط: المجتمع كله في كفة والاخوان في كفة اخرى.
( الدستور )