برنامج عابر للحكومات

من أسهل الامور سياسياً وإعلامياً تعداد الأهداف المرغوب فيها لبرنامج التصحيح الاقتصادي الجديد المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي مثل رفع معدل النمو، خفض العجـز في الموازنة العامة، الحفاظ على شبكة الامان الاجتماعي، تثبيت سعر الصرف الحالي، إصلاح الاختلالات الاقتصادية، تحسين مناخ الاستثمار، إصلاح اقتصاديات شركة الكهرباء، وما إلى ذلك من الأمور المرغوب فيها والتي يقع عليها الإجماع وتنتفي الاعتراضات.
ولكن ليس من السهل تعداد الإجراءات الصعبة الواجب اتخاذها لتحقيق هذه الأهداف مثل إصلاح تعرفة الكهرباء، تحويل الدعم الشامل للسلع إلى دعم موجه للمستحقين، إلغاء الإعفاءات والاستثناءات الضريبية، تخفيض الإنفاق العام، تجميد الرواتب، ووضع حد للتنازلات المكلفة استجابة للابتزاز.
ليس معروفاً بعد ما إذا كان الإتفاق بين الحكومة والصندوق يغطي فترة ثلاث سنوات كاملة مع جدول زمني محدد أم أنه مجزأ على أرباع أو أنصاف السنوات. في الحالة الأولى لا لزوم لإصدار كتاب نوايا يوقعه وزير المالية ومحافظ البنك المركزي في بداية كل فترة زمنية، وفي الحالة الثانية هناك لزوم لكتب نوايا تسمح بإدخال تعديلات متلاحقة على البرنامج على ضوء التطورات والنتائج الفعلية.
نرجح أن الاتفاق شامل للفترة بأكملها مع جدول زمني للتنفيذ، بدلالة أن رئيس الحكومة يقول إن البرنامج ملزم للحكومات القادمة، أي أنه بمثابة اتفاقية دولية تعلو فوق القوانين والأنظمة المحلية. أما لو كان الاتفاق يستدعي صدور كتب نوايا متعددة تغطي الإجراءات المطلوبة في فترة قصيـرة، فلن يكون الاتفاق ملزماً للحكومات القادمة، وسيطلب من كل حكومة جديدة إعطاء موافقة جديدة على الالتزام بالبرنامج.
هذا ما كان عليه الحال في عملية تنفيذ البرنامج السابق، حيث كان الصندوق يطلب من كل حكومة جديدة التزاماً جديداً تستطيع إعطاءه أو منعه كما تشاء باعتبارها سلطة ذات سيادة، أي أنه لا يعتبر التزام حكومة سابقة ملزماً تلقائياً لحكومة جديدة قد يكون لها رأي آخر.
مع أن البرنامج ينص على الشفافية كأحد أهدافه فإن تفاصيل الاتفاق ما زالت حتى كتابة هذا العمود مكتومة، فلم تعلنه الحكومة الأردنية بعد، ولم يعلنه صندوق النقد الدولي، اكتفاء بإشارات عامة للأهداف والنوايا والإجراءات.
مما يلفت النظر أن الصندوق كرر القول بأن البرنامج وطني ومحلي، وأن الحكومة الأردنية هي التي أعدته وقدمته إلى الصندوق مع طلب التسهيلات، فوجده الصندوق مقبولاً ووافق عليه، وليس إملاءً خارجياً. ولا نعرف ما إذا كان هذا القول حقيقياً أم أنه مجرد مجاملة ومراعاة لسيادة الدول الأعضاء التي يخدمها الصندوق.
( الراي )