مرسي من اللين إلى الحزم .. طبعة جديدة للرئيس

الذين لم يفهموا دموع الرئيس مرسي التي ذرفها في اكثر من مناسبة راهنوا على ضعف الرجل، وربما فشله في قيادة مصر نحو مرحلة جديدة من البناء على الثورة، لكن هؤلاء – بالذات- لا بدّ انهم شعروا بالصدمة بعد «ثورة القرارات» التي اصدرها الرجل لتصحيح مسار «الانتقال» من حكم العسكر الى الحكم المدني الذي انتظره المصريون منذ اكثر من ستة شهور.
فتحت «حادثة سيناء» امام الرئيس فرصة «للانقلاب» على العسكر، وتطهير المناخات السياسية التي اربكت «القرار» الرئاسي بعد حلّ البرلمان والاستئثار من قبل «الجيش» بالسلطة، ووجد «مرسي» نفسه امام خيارات صعبة لا بدّ من اتخاذها، فبادر على الفور الى ازاحة «القيادات العسكرية» واستبدالها بآخرين.. بدأ بمدير المخابرات وقائد سيناء ثم انتهى بإقالة الطنطاوي وعنان، ولم يكن هؤلاء –وحدهم- من تفاجأ بالقرارات التي يقال بأنهم سمعوا اخبارها من التلفزيون، وانما يبدو ان الطبقة السياسية قد اصيبت بالذهول وهي تتابع تفاصيل المشهد الجديد، حيث يقف مرسي بصلابة امام «الطاقم» الجديد الذين اقسموا امامه اليمين الدستوري.. ثم يخرج وخلفه «الجنرالات» ليشهر انتصار الثورة التي وعد ذات مرّة بأنها ستطوي مرحلة من تاريخ مصر المظلم لتبدأ مرحلة جديدة.. مشروعها «النهضة» ومرتكزاتها الحرية والديمقراطية والكرامة. ثلاثة اعتبارات على الاقل دفعت الرئيس الى «اقالة» الصف الاول من قيادات العسكر، اول هذه الاعتبارات فرض قطيعة نهائية مع النظام السابق الذي شكل فيه العسكر القوة الضاربة امنيا وسياسيا، وبالتالي اعلان «ولادة» جديدة للثورة التي رفعت شعار اسقاط النظام، اما الاعتبار الثاني فهو محاولة رسم صورة جديدة «للزعيم» القوي، القادر على ادارة البلد، واذا كان منطق اللين وما رافقه من خطابات شعبية اتسمت بالعفوية والسماحة قد سيطر على صورة الرئيس في الشهرين المنصرمين فاذا منطق الحزم الذي ارتبطت به مثل هذه القرارات يشكل «الوجه» الآخر لصورة الرئيس المطلوب.
اما الاعتبار الثالث فهو يتعلق «بحادثة سيناء» وما رافقها من فشل استخباري وربما تواطؤ من بعض القيادات، الامر الذي فرض على الرئيس تحميل المسؤولية عن هذا التقصير بازاحتهم من مواقعهم، واختيار قيادات اخرى تستطيع ان تواصل مهمة «تنظيف» سيناء من الانفلات الامني والدفاع عن امن مصر، خاصة في ظل «القيود» التي تفرضها معاهدة كامب ديفيد والتحديات التي تشكلها محاولات اسرائيل لاستغلال هذا الملف. دستوريا، لا يوجد اي «طعن» –كما يرى الفقهاء الدستوريون- في قرارات مرسي، فالرجل مارس صلاحياته بشكل صحيح، لكن تبقى ردود الفعل السياسية مرتبطة بعواطف «النخب» ورغباتها وطموحاتها من «الرئاسة» نفسها، ومن الاسلاميين بشكل عام، لكن يبدو من غير المتوقع ان ينجح معارضوه في «استثمار» هذه القرارات لصالحهم، على العكس تماما، ستضيف للرجل رصيدا اكبر وستمنحه»طاقة» جديدة لتثبيت قدميه في ارض «السياسة» والرئاسة معا.
باختصار، اي مرحلة انتقالية تحتاج الى قرارات حاسمة ومواقف حازمة، والمسألة لا تتعلق باصدار التشريعات فقط، وانما بالممارسات الجريئة، وفي مقدمتها «تغيير» الوجوه والمواقع، ومحاسبة المخطئين والمقصرين، والسرعة في اتخاذ القرارات المدروسة، وهذا ما فعله الرجل، وما يجب ان يفعله اي مسؤول يريد فعلا ان ينتقل من مرحلة الى مرحلة جديدة، او من هيمنة «الدولة العميقة» الى آفاق الدولة الديمقراطية التي تتحرر فيها القرارات من حسابات القوى الخفية، لتصبح بيد المؤسسات التي اختارها الشعب لتمثيله وتخدم مصالحه.
( الدستور )