مرسي اليوم .. سادات 1971

كنا استحضرنا تجربة السادات (الرئيس الضعيف) مع مراكز القوى في العام 1971، لنؤكد أن الدكتور محمد مرسي (الرئيس الضعيف) أيضاً، قد لا يظل كذلك طوال الوقت، وقد يأتي بما يدهشنا جميعاً، متسلحاً بخيار الشرعية (الانتخابية) الأقوى من “الشرعية الثورية” التي تسلح بها أسلافه من الرؤساء العسكريين...وهذا ما حصل بالأمس تحديداً، حين توّج مرسي سلسلة تغييرات واسعة النطاق في المؤسستين العسكرية والأمنية، ستجعل منه رئيساً ذا صلاحيات تفوق ما كان الرئيس المخلوع يجمع منها بين يديه غير النظيفتين.
لقد فعلها مرسي، مرشح الصدفة واللحظة الأخيرة في الانتخابات المصرية، وضرب جملة من العصافير بحجر واحد: أطاح بالمشير العجوز ورهط من جنرالاته، وقبلهم أطاح برئيس المخابرات المصرية العامة ومدير الشرطة العسكرية ومحافظ سيناء، وألغى بجرة قلم الإعلان الدستوري المُكمّل، وعين نائباً له من السلك القضائي المحترم...وبدا أن “ازدواجية السلطة” في مصر قد حُسمت، وأن نظام الرأس الواحد قد حلّ محل “نظام الرأسين”.
بهذه المعاني، يمكن النظر بارتياح إلى خطوات الرئيس المصري المنتخب، فلا يجوز بعد ثورة يناير أن تظل مفاتيح الحكم والسلطة والقرار في جيوب رجالات مبارك وأركان حكمه...وقد آن أوان تغيير النظام بعد أزيد من عام على تغيير رأسه والإطاحة به...وربما لهذا السبب بالذات، قوبلت خطوات مرسي بارتياح تخطى الأوساط الإخوانية، إلى مروحة واسعة من الطيف السياسي والاجتماعي في مصر.
لكن هذه الارتياح، ظلّ مشوباً بالكثير من القلق والتحسب...فالثورة المصرية، لم تنطلق انطلاقتها المجيدة، وتقدم كل تلك القوافل من الشهداء من أجل استبدال “زعيم فرد” بآخر، ولا “حزب حاكم” بـ”حزب حاكم آخر...الثورة قامت من أجل إرساء قواعد الحرية والديمقراطية والتعددية وتداول السلطة في مصر...ولقد حمل أداء الإخوان خلال الثورة وبعدها، ما أثار ويثير قلق بقية المكونات المصرية، من تغوّل “الجماعة” ونكوصها على وعودها، وميلها الجارف للاستئثار بالسلطة، وهذا هو السؤال المفتوح الذي يتعين على نخب مصر وطلائعها التصدي للإجابة عنه قبل وقوع المحذور.
خروج العسكر من السلطة (أو إخراجه)، خبر سار لكل أنصار التحوّل الديمقراطي في مصر...وإعادة النظر في دور “المؤسسة العسكرية” ووظائفها وإدوات إدارتها لنفوذها في البلاد، بحاجة لإعادة نظر شاملة وعميقة...كما أن النظر في العقيدة القتالية والتسليحية للجيش المصري، أمر يستوجب التفكير ملياً ومطولاً...فلا يمكن أن تكون “المساعدة” العسكرية الأمريكية هي “الكلمة الفصل” في تقرير هذه العقيدة، ولا يمكن أن تكون شروط كامب ديفيد القاسية، قيداً على قدرة الجيش على حفظ أمن مصر، وعموماً فإن إخراج الجيش من الحياة السياسية والاقتصادية (ربع الاقتصاد كما يقال)، بات مهمة ملحة وعاجلة.
أما وقد حصل لمرسي (والإخوان) ما أراد وأرادوا، ودانت لهم السلطة بكل أذرعتها وأجهزتها، فإن أداءهم في قادمات الأيام والاستحقاقات، سيوفر فرصة سانحة لجميع خصومهم ومؤيديهم، لاختبار جدية وصدقية الشعارات والنوايا التي حملتهم للسلطة من بوابة صنادق الاقتراع...ستكون فرصة ثمينة لاختبار جدية المكوّن المدني الديمقراطي في خطابهم السياسي والفكري، قدرتهم على حفظ التعددية السياسية والفكرية والاجتماعية والدينية في مصر...إيمانهم بالمشاركة بديلاً عن المغالبة، وقناعتهم بجدوى احترام الرأي والرأي الآخر، واحترامهم لحرية الأفراد والجماعات، خصوصاً تلك التي لا تنتمي إليهم ولا تندرج في سياق مرجعياتهم.
حتى الآن، لا تبدو التجربة مشجعة، بدءا من نكوصهم عن قرار الامتناع عن الترشيح في الانتخابات وحتى آخر تصريح مرشدهم السابق مهدي عاكف “إللي مش عاجبه حكم الإخوان، طز فيه”...مروراً بشغفهم في السيطرة على “الإعلام والصحافة القومية”...لكن تجربة الإخوان في الحكم في أشهرها الأولى، كما تجربة حماس في غزة، كانت تخضع لظروف وتحديات استثنائية، أهمها عدم تسليم خصومهم ومجادليهم، بحقهم في اختبار تجربتهم في الحكم، وكان ذلك على الدوام، سبباً لتبرير التشدد والانغلاق وتعليل التعثر في الإنجاز.
الآن، لم يعد ثمة سبب أو مبرر لتعليق أية مسألة على مشاجب الآخرين...الكرة الآن في ملعب مرسي والإخوان...الآن بدأ حكم الإخوان في مصر...ومنذ الآن صار بمقدورنا ومقدور غيرنا الحكم على التجربة...والأهم منّا ومن غيرنا، أنه سيكون بمقدور الناخب المصري بعد الآن، أن يقول كلمته الفصل في تقييم التجربة، وأن يقولها عبر صناديق الاقتراع التي نأمل أن تحتفظ بـ”شرفها” ونزاهتها” في العهد الجديد، وأن لا تعود عرضة للانتهاك والتزوير والاغتصاب كما كانت عليه في العقد القديم.
( الدستور )