الفكرة الكبرى حان وقتها

يبدو أن المشهد السياسي المحلي يذهب نحو المزيد من التعقيد، بعد أن أُغلقت آخر فرصة لإجراء تعديل ثان على قانون الانتخاب، بعد صدور الإرادة الملكية بدعوة مجلس النواب إلى الانعقاد في دورة استثنائية حُددت موضوعاتها.
ومن باب التفاؤل، فإن كانت تلك الفرصة الأخيرة لتعديل القانون من خلال مجلس النواب، فإنها ليست الأخيرة للخروج من الأزمة الراهنة بتصحيح مسار الإصلاح والمشاركة السياسية.
فالجمود الذي تشهده الحياة السياسية، والانغلاق وحالة الإحجام والعزوف، تحتاج إلى فكرة ابتكارية جديدة؛ فكرة كبرى تحرك المياه الراكدة، وتلفت الانتباه، وتعيد الإصلاح إلى مساره الصحيح.
ثمة أزمة حقيقية لا يمكن إنكارها، وأي محاولة للقفز عنها هي قفزة في المجهول. والطابع العام لهذه الأزمة هو الاستقطاب الحاد واللغة الثأرية والتربص وفقدان الثقة العامة.
تصاحب ذلك حالة غموض ملتبسة، وقلق على مستوى الطبقة الوسطى حول المستقبل القريب. ومثلما تدفع البلاد اليوم ثمن الفساد والتشوهات الاقتصادية والاجتماعية بفعل ثقافة التستر التي انتهجها سياسيون بالقفز عن الحقائق والوقائع، فإن محاولة إغماض العيون عن الأزمة الراهنة يعني الزج بالبلاد إلى مصير مجهول.
النقاش الجاري في هذا الوقت، من خلال بعض النخب أو من خلال وسائل الإعلام الرسمية ومن على هوامشها، يحاول اختصار المشهد السياسي والأزمة الراهنة في صورة نمطية مشوهة، لا تعبر عن الواقع، وذلك حينما يحاول هذا النقاش أن ينمط الأزمة بالعلاقة بين الحكومة والحركة الإسلامية.
وهي محاولة لتسطيح الأزمة، وجزء من الدعاية الرسمية. فالمشاركة السياسية الحقيقية تعني القواعد الاجتماعية العريضة في مختلف أنحاء البلاد، والتي حرمت من ممارسة مشاركة سياسية معافاة بعيدا عن التشويه والإقصاء، ما وفر الأسباب الحقيقية لتهميشها سياسيا واقتصاديا، وها هي اليوم تتحول إلى مجتمعات ناقمة ومحتقنة.
المسألة الخطيرة أن حالة تسمم الأجواء العامة تنتقل بالتدريج، وبقوة، إلى مستويات أوسع، وتنتقل إلى القواعد العريضة على شكل حالة من فقدان الثقة العامة، عادة ما تتبع بفقدان الردع العام؛ أي أن كل شيء مستباح. وهذه الحالة تزداد تعمقا مع خيارات رفع الدعم الحكومي عن سلع استراتيجية، على رأسها الطاقة والمشتقات النفطية، مع استمرار الصمت الرسمي عن خيارات اقتصادية إصلاحية أساسية، في مقدمتها إصلاح الضريبة العامة. ومن العجيب أن الحكومة تتحدث عن رفع الدعم الحكومي في عام يباب وخراب اقتصادي، في الوقت الذي وصلت فيه أرباح البنوك التجارية إلى 25 %، وبعضها تجاوزت أرباحه المئة بالمئة.
لا تنفع أي إجراءات ترقيعية لطمأنة الناس. ولا تنفع إجراءات تلفيقية لنزع السموم من جسد الحياة العامة. قد ينفع التريث مع ملفات عديدة، إلا مع شارع محتقن وتسكنه الهواجس، ما لم تتبين الخيوط البيضاء من السوداء، في مقاربة إصلاحية وطنية عاجلة، وممارسة جادة لاستعادة الدولة ووقف اغتيال مكافحة الفساد.
البلاد بحاجة إلى فكرة كبرى جادة وجديدة غير مستهلكة، توكل لنخب مختلفة ونزيهة، تستعيد الدولة من خلالها بعض الثقة، وتعيد تعريف المشاركة والمواطنة؛ روح جديدة ومختلفة؛ وإلا فالذهاب إلى الانتخابات في هذه الأجواء هو قفزة في المجهول، يفعلها المغامرون في أسواق المال لا السياسيون مع الأوطان. ( الغد )