إرث عبد الحميد شومان العظيم

البنك العربي هو أول بنك عربي محض في المنطقة بأسرها، وأكبر مؤسسة اقتصادية أردنية. أثارت استقالة الشومانيين هواجس وتخوفات في البداية لدى الكثير منا، وكالعادة هنالك في الأردن من يعلم بالتفاصيل والأسباب الحقيقية، وغيرهم وهم الغالبية من الذين لا يعلم، وسيكونون هم الضحايا بلا شك فالجهل والقلق عادة ما يخدمان أصحاب الجاه والنفوذ فقط، ويضران بالأشخاص العاديين الذين لا يعلمون فينتابهم الهلع بسبب اللامعرفة بما استجد. لذا، ينبغي على جميع أصحاب العلاقة تقديم التوضيحات وبسرعة وبالوسائل الإعلامية التقليدية وغيرها حول نوعية وطبيعة الخلاف. فإذا لم يتدارك وبحكمة أصحاب العلاقة إرهاصات هذا الاختلاف والخروج المفاجئ لفريق إداري اعتاده الناس سيضيف الجهل بما حدث إلى حمى الإشاعات فينتج عنها خسائر وطنية لا داع لها، خاصة وأن البنك العربي مؤسسة وطنية جابهت واستفادت من محن أكبر من هذه بكثير ليصبح البنك بعد ذلك أقوى وأنجع من قبل.
وبعد التقصي حول ما حدث ممن يعلمون أو يدعون بذلك، فإن ما حصل برأيي لا يعدو كونه اختلافا في نهج الإدارة بين إدارة جديدة كفؤة معينة بدعم من قبل كبار المساهمين، وأساليب إدارة أسرة عريقة كفؤة أيضا أدارت البنك على مدى سنين، بعد أن أسسه عميدها عبد الحميد شومان، رحمه الله، في زمن عربي صعب وقبل 80 عاما تقريبا. ومن الواضح أيضا أن مجلس الإدارة انحاز للإدارة الحديثة، وهو أمر يحدث كثيرا في كبرى الشركات العالمية، ويؤدي في بعض الأحيان إلى اهتزازات ينجم عنها بيوعات سريعة نتيجة فزع بعض مالكي الحصص، وبعد فترة وجيزة تعود الأمور إلى ما كانت عليه وربما تصبح أفضل.
ويعتبر البنك العربي أحد أقوى روافد العالم المؤسسي والمدرسة التي تتلمذ فيها مدراء البنوك، لذا لا أجد اي داع للقلق على مستقبله؛ ونستطيع استنباط مستقبل البنك من مسيرته التي، فما حصل لا يقارن بما تخطاه البنك وتجاوزه من محن مر بها حتى تاريخ هذا المقال. تأسس البنك عام 1930، قبل 82 عام، من قبل المرحوم الريادي عبد الحميد شومان المولود عام 1890 في قرية بيت حنينا على أطراف القدس، والذي بدا العمل كقاطع للأحجار وعمره سبع سنوات ولم يذهب للمدرسة لضيق الحال، ثم هاجر عام 1910 الى نيويورك وبجيبه 32 دولارا ليعمل في عدة مهن كان آخرها أن أسس مصنعا للملابس في نيويورك، وليجمع بجده واجتهاده ثروة صغيرة، وبتضحيات قل مثلها كأن ابنه عبد المجيد شومان ولد في فلسطين بينما هو في الغربة ولم ير الأب ابنه حتى وصل الأخير لأمريكا وعمره 14 عاما، ليدرس ويتعلم في إحدى أفضل جامعاتها ويتخرج عام 1931 ويعود لفلسطين ليساند أبيه الذي كان قد بدأ البنك العربي عام 1930 وبمساهمة شخصية بلغت آنذاك 15000 دينار فلسطيني. انظروا ما أجمل عبارة المرحوم عبد الحميد شومان " لما عزمت على تأسيس هذا البنك، لم أشأ أن أطلق عليه اسمي أو اسم قريتي بيت حنينا أو بلدي فلسطين... بل اسم الأمة العربية والوطن الكبير فسميته البنك العربي."
نما البنك وازدهر رغم خسارة فروعه في حيفا ويافا بعد النكبة في عام 1948، وحرص البنك على تسديد أموال جميع مودعيه ليرتبط اسمه باسم القضية العربية الأولى، قضية فلسطين، ولينتقل البنك العربي ويسجل في الأردن ذلك العام ولتصبح عمان مقرا لهذا الصرح المالي الوطني. كما لم تخل مسيرة البنك من المعيقات بل والصدمات بعدها، ففي فترة الستينيات تأمم له 25 فرعا في مصر والعراق وعدن والسودان وسورية وخسر فروعا عديدة في فلسطين نتيجة حرب 1967، واستمر رغم ذلك في النمو والازدهار ليفوق رأسماله 5.5 مليار دينار وليملك شبكة فروع وصلت إلى 600 فرع في 30 دولة في خمس قارات.
بناء على ما سبق، نشكر لعائلة شومان جهودها ونتمنى للإدارة الجديدة النجاح، ونعتقد أن هذا البنك باق لينمو ويزدهر ويحقق انتصارات أكثر للأردن والأمة العربية في عالم المال والائتمان. ( العرب اليوم )