العزوف عن التسجيل هو قانون الانتخاب

ما تزال السلطة التنفيذية وأجهزتها لا ترى إلا بعين واحدة وهي عنيها، وما تزال لا تسمع إلا صدى صوتها، وفي ذات الوقت تتجاهل عن سابق إصرار وتصميم صوت معظم الشعب الأردني بمكوناته السياسية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني المستقلة والحراكات الشعبية التي تمثل معظم محافظات المملكة، والمطالبة بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية؛ بهدف تعزيز النهج الديمقراطي وصولاً إلى نظام سياسي ديمقراطي يكفل تداولاً سلمياً للسلطة التنفيذية، والارتقاء بمستوى حياة المواطن إلى الوضع الذي يمكنه من العيش بكرامة، وما يتطلبه ذلك من محاربة وتقويض لمؤسسة الفساد.
وحيث إن الحكومة مصرة على إجراء انتخابات نيابية قبل نهاية هذا العام وفق قانون انتخابات لا يخدم إلا مصالح السلطة التنفيذية وأجهزتها والمرتبطين بها، وبالتالي استنساخ مجلس نيابي للمجالس النيابية السابقة التي لا يثق غالبية المواطنين أن هذه المجالس تمثلها وتمثل إرادتها وآمالها وأمانيها.
إن قانون الانتخابات ينسف مبادئ رئيسة لأي انتخابات تمثل تمثيلاً حقيقياً لإرادة الشعب؛ وذلك من حيث عدم احترامها لمبدأ المواطنة الذي يجب أن يكفل المساواة الكاملة بين المواطنين، كما ينسف المبدأ الديمقراطي الذي يمكن المواطن من انتخاب برامج سياسية واقتصادية واجتماعية قائمة على مبدأ تشكيل قائمة؛ وذلك بترشيحه مبدأ الانتخاب والترشيح على أساس فردي، وبنسبة ثمانين بالمائة من مجموع المجلس النيابي.
أضف إلى ما سبق عن قانون الانتخاب، فإن الحفاظ على مجلس الأعيان الذي ينسف مبدأ الفصل بين السلطات، حيث إن السلطة التنفيذية هي التي تقوم بتعيين ثلث أعضاء مجلس الأمة، حيث إن مجلس الأعيان هو الجدار الصلب الحقيقي الذي يقف حائلاً أمام مجلس النواب، على فرض أن المجلس النيابي مستقل إلى حد كبير فيما لو تم إقرار قوانين ليست على مقاس السلطة التنفيذية وأجهزتها، فسلطة مجلس الأعيان كبيرة، عدا عن الاجتماع المشترك للمجلسين؛ مما يقوض نجاح أي قانون مخالف لتوجهات السلطة وأجهزتها.
إن إجراء الانتخابات النيابية وفقاً للقانون الحالي يفرغ هدف الانتخابات المبكرة من مضمونها. فالانتخابات دوماً ليست هدفاً بحد ذاته، ولكنها في حالنا الحالي في الأردن فإنها يجب أن تكون استحقاقاً لمطالب معظم مكونات المجتمع الأردني المطالب بالإصلاحات السياسية الديمقراطية الحقيقية. وليست الإصلاحات التجميلية الديكورية.
من هنا فإنني أفهم التحذيرات التي تطلقها السلطة التنفيذية ضد الأحزاب والقوى السياسية والشعبية التي قررت أو بطريقها لمقاطعة الانتخابات القادمة تسجيلاً وترشيحاً؛ لأن هذا يعني فضح السياسة الأردنية التي تهرب من أي إصلاح ديمقراطي معتمد على الحرية والتعددية وتكافؤ الفرص والمساواة واحترام المواطنة.
إن الدعوة إلى عدم التسجيل في الانتخابات حق فردي وجماعي للمواطنين والأحزاب والقوى السياسية على حد سواء، كما أن حشد المواطنين وراء هذا الموقف حق أساسي، فمن حق القوى الفكرية والسياسية أن تقنع المواطنين بعدالة قضيتهم، وهي العزوف عن التسجيل للانتخابات وبالتالي مقاطعتها، وهذا يصب في جوهر الانتماء لأن المصلحة العامة للشعب الأردني تتطلب ذلك.
فقانون الانتخاب الذي استهدف الكثافة السكانية في المحافظات الكبرى (عمان، الزرقاء، إربد، البلقاء) بهدف إقصائهم، وعدم تمثيلهم التمثيل الحقيقي لقوتهم الانتخابية بما ينعكس على وجودهم في مجلس النواب، أفقد الثقة لدى الغالبية العظمى من جدوى هذه الانتخابات، وبالتالي وجدنا كيف أن التسجيل في هذه المحافظات متواضع، بينما هو متواضع في كافة أنحاء المملكة. (حيث إن العدد التقريبي لمن يحق لهم الاقتراع يزيد على أربعة ملايين ناخب). وهذا رد حقيقي على سياسة السلطة التنفيذية وأجهزتها.
وفي ذات السياق فإن الحركة الإسلامية وحلفاءها مستهدفين من هذا القانون؛ فبالتالي من حقهم ألا يشاركوا بلعبة السلطة وأجهزتها.
ولذلك فإنني أرى أن التسجيل في الانتخابات وفق هذا القانون يرسل رسالة سلبية للسلطة، ولكن هذا لا يقلل من أهمية الرأي القائل بضرورة التسجيل وعدم المشاركة؛ لإظهار ضآلة نسبة المقترعين.
وفي كلتا الحالتين، فرفض القانون ومزجاته تحظى بالإجماع إلى حد ما، وهذه الخطوة الأولى نحو الإصرار على تحقيق الأهداف. ( السبيل )