حسابات الحقل والبيدر!!

تم نشره الإثنين 20 آب / أغسطس 2012 02:31 مساءً
حسابات الحقل والبيدر!!
خيري منصور

لم يكن أهلنا في القرى يملكون حواسيب ذكية لتحديد منسوب المواسم، لكنهم كانوا يعتمدون على فطرتهم السليمة وخبرات أسلافهم الموروثة ليقدروا بشكل تقريبي حصيلة موسمهم، فهم يقرأون براعم الزيتون لمعرفة ما سوف يأتي من الزيت، لكنهم يبتهلون الى السماء أن لا تهب عواصف تبعثر البراعم وتجهض نموها، ولم تكن حسابات الحقول والبيادر دائمة دقيقة، فالبيدر قد يخذل صاحبه وهذا ما يجري الآن في السياسة، حتى لو كانت شاهدها أكثر تعقيداً وتلوناً.

فهناك حروب خذلت بيادرها ميادينها، وانقلب فيها السحر على الساحر، فمن كان يسيل لعابه على الغنائم سال دمعه على الخسائر، وما يسمى الاستراتيجيات أو ما بعدها في المعجم السياسي لأي منا ليس دائماً له حسابات دقيقة، ففيتنام لم تكن أقوى من الولايات المتحدة سواء بمقياس التقدم التكنولوجي أو التسليح، لكن الحاسوب الأمريكي في غيبوبة غباء حذف من معادلة تلك الحرب الاعلام والذي قال ماكلوهان الذي نسب اليه مصطلح العولمة في ستينات القرن الماضي أن الصورة تحالفت مع الضحية، بل حاربت معها وافتضحت الجريمة، بحيث سرعان ما أصبحت البشرية كلها في الخندق الفيتنامي.

وفي الحرب على العراق، لم يكن حاسوب واشنطن ذكياً كصواريخها، لأن ما وعدت به البنتاغون والخزينة الامريكية حدث عكسه تماماً، فعاد الآلاف من الجنود الامريكيين في توابيت وتحول العراق الى مستنقع آسيوي جديد اضافة الى افغانستان.

لهذا لم تكن حسابات الحقل دقيقة، وسرعان ما جاء البيدر ليكذبها، كما لو ان لوحة فان غوخ الشهيرة من حقل الحنطة والغربان تلخص المشهد وان على نحو رمزي!.

ان ثنائية الحقل والبيدر أو ما يسميه المصريون الماء والغطاس ملازمة للتاريخ منذ المنابع حتى المصب ان كان للتاريخ مصب؟ والأرجح أن له مكباً أيضاً لنفاياته لكنها تبحث عن دولة فقيرة أو شاطىء بائس لكي تطمر فيها.

ان كل ما قيل عن حتميات التاريخ أفسده ما يسميه الفيلسوف هيجل مكر التاريخ أو مكائن، لأن ليس كل ما يشتهى يُنال وأحياناً يفقد الطامح في لحم الآخرين لحمه وعظمه حتى النخاع لأنه اخطأ عمق الماء أو حسابات الحقل والبيدر.

فهل نطوي كل هذه الكمبيوترات والحواسيب ونغطي رفوف مكتباتنا كما لو أنها عورات ونعود الى قرانا لنسأل أهلنا في قبورهم عن ذلك الحاسوب؟.

ونعتذر لهم عما نسيناه من نصائحهم عن الزيت الذي هو دموع الشجر وعن الكرامة التي لا تقدم الفضائيات اعلانا واحداً لأنها لا تقشر كالبصل ولا تطبخ بالدجاج ولا تصلح مكملاً لوجبة بيرغر؟.

مياه دافئة كثيرة كذبت غطاسين فنالوا عقابهم على ما اخطأوا من حسابات بأن غرقوا والتهمهم سمك المحيط وبيادر اكثر منها كذبت الحقول لأن ما هب من العواصف لم يخلع البراعم فقط عن الأغصان، بل خلع بيوتاً من جذورها!. 0 الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات