سوريات الصغرى

نكرر أن قراءة التاريخ مرتبطة باستشراف المستقبل ... كانت ولاية سوريا تمتد من انطاكية الى رفح مع الجزيرة ودير الزور والجوف ( قريّات الملح ) وفي الوسط لبنان وفلسطين وشرق الاردن ... حينما بدأ مارك سايكس البريطاني وفرانسو جورج بيكو الفرنسي مهمتهم في تمزيق الشرق الأوسط العربي الى دويلات ( قبل بدء الثورة العربية الكبرى ) بالتفاهم مع روسيا القيصريّة ... اعتمدا على الجيوب الطائفية والعرقية في الوطن العربي ... الأكراد في الموصل مع سوريا الصغرى ولبنان تحت الانتداب الفرنسي ... فلسطين وشرق الأردن والعراق ومصر تحت الانتداب البريطاني واتفاقيات جانبية مع إمارة الكويت وشيوخ عدن وقطر والبحرين ... تبادلت بريطانيا وفرنسا الموانئ الحيويّة على البحر الابيض المتوسط على شاكلة القنصليات في دولة مترامية الأطراف ... بريطانيا تستخدم ميناء الاسكندرون الواقع تحت الحماية الفرنسيّة ... فرنسا تستخدم ميناء حيفا الواقع تحت الانتداب البريطاني ... بالرغم من أن شرق الأردن يشكل مجالا ً حيوياً لبريطانيا عبر المستطيل الشرقي الذي يوصل الإمداد من فلسطين الى العراق ( حدث هذا عمليا ً في قمع ثورة رشيد كمال الكيلاني ) فإن فلسطين معزولة عن شرق الأردن وفي البال ( بال سايكس بيكو ) امتداد العائلات والعشائر بين الضفتين حتى أن التقسيم العشائري كان يرسم خطوطا ً اجتماعيّة واقتصاديّة بين شمال الأردن وفلسطين ... عجلون بيسان والجليل ... ثم الوسط نابلس والقدس مع السلط وعمان ... وفي الجنوب الخليل مع الكرك وبئر السبع وغزة مع العقبة ومعان الحجازيتين وهما مجال حيوي لمصر وشمال افريقيا في طريق الحج البري من فاس الى فزّان فالاسكندرية ومرسى مطروح فقناة السويس .
لم يجد الانجليز مرتعا ً خصبا ً للطائفيّة العرقيّة كما وجد الفرنسيون في سوريا ... الموارنه ... الدروز ... العلويون ... الأكراد ... في فلسطين كان التعايش الاسلامي المسيحي يقف حجر عثرة في تعميق الطائفية ما عدا مماحكات رؤساء كنائس القدس الذين يتبعون روسيا واليونان ومصر وروما فاكتفى المندوب السامي البريطاني بزيارة المحفل البهائي قرب عكا لتقديم التهاني لأعضائه في المناسبات .
في سوريا فوجئت فرنسا بثورة ابراهيم هنانو الكردي وثورة شيخ جبل العلويين صالح العلي .. وثورة شيخ الدروز سلطان الأطرش ... حدث كل هذا بعد وصول الأمير ( الملك ) عبد الله الأول بن الحسين الى عمان ... وايضا ً بعد انتشار الوعي بحركة الاستيطان الصهيوني في فلسطين تنفيذا ً لوعد بلفور ... بعد عام 1946 كان لبنان قد استقل يحمل ارثا ً مقيتا ً من الطائفيّة التي فرضت ديانة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وصولا ً الى مدير الحراج الذي يحمي غابات شجر الأرز .
واستقلت سوريا لتبدأ على ترابها الانقلابات العسكريّة في أكبر بلدان الهلال الخصيب على أسس عقائدية فرّختها الجامعة الأمريكية في بيروت ... بعث ... قوميين ... شيوعيين ... الخ ... كان العلويون والدروز نسيجا ً من مجتمعها السياسي والعسكري ولم يفكر أحد بحكم ذاتي لفئة دون أخرى .
بنى حافظ الأسد دولة بوليسيّة تعتمد في مفاصلها الرئيسة على مجموعة من أبناء طائفته العلويّة وجمّلها ببعض السنّة حتى أن نجاح العطار شقيقة المعارض في الخارج من جماعة الإخوان المسلمين أمضت أكثر من عشرين عاما ً وزيرة للثقافة ... بالنسبة للذين امتدت جذورهم في نظام الحكم ما يزيد عن اربعين عاما لا يستطيعون التراجع ... الأمر بالنسبة اليهم إما قاتل أو مقتول ... فسجناء الجيش الحر يكررون ما فعله سجانو الأسد قبل ربيع سوريا الدامي وبعده ... هل نستغرب بعد كل هذا مشروع دولة علويّة في شمال سوريا ؟؟؟ واذا تم انشاؤها ... كم دويلة ستفرّخ في سوريات الصغرى ؟؟؟ ( الدستور )