الإخلاص والوعي السياسي .. سِمَتا العمل الوطني التأسيسي

وثيقة وطنية يوجهها الشيخ حسين الطراونة إلى المعتمد البريطاني
* ذاكرة الوطن : 16-8-1928 .
في حلقة سابقة، وتحديدا تلك الصادرة بتاريخ 25 /7 الماضي، استذكرت هذه الزاوية حدثا وطنيا تأسيسيا للعمل السياسي الوطني في فترات التكوين الابتدائية، ممثلا بانعقاد المؤتمر الوطني الأول الذي عقد عام 1928، هذا المؤتمر الوطني الذي تداعى لانعقاده رجال وطنيون، تنادوا لانعقاد مؤتمرهم الوطني الأول، ووضعوا القضايا الوطنية الكبرى في بنود ونقاط واضحة جرى بحثها بندا بندا. وفي ختام المؤتمر خرج المؤتمر بجملة من التوصيات والقرارات.
انتخب المؤتمر الشيخ حسين الطراونة بصفته رئيسا لهذا النشاط السياسي الشعبي، برفع كتاب للمقام الأميري يطلعه من خلاله على القرارات التي اتخذت في المؤتمر ، وبعد إطلاعه على مضمون الكتاب وعد الأمير عبدالله بن الحسين بدراسة الوثيقة وتعهد بتنفيذ التوصيات الواردة فيها.
على نحو مغاير لهذه الاستجابة الأميرية على نحو إيجابي مع الوثيقة ، جاء تعليق وموقف الحكومة البريطانية منها، باعتبار أن الإمارة كانت تحت وصاية الانتداب البريطاني، وأعربت الحكومة خلال كتاب رسمي أن الشيخ الطراونة وزملاءه يسعون من خلال نشاطهم ومطالبهم السياسية الى التشويش على جهود الأمير وتوجهاته في تشكيل الحكومات الوطنية، وأعلن الكتاب عن وجود من أسماهم: "بعض أشخاص لا يحبذون شكل الحكومة الحاضرة التي اقمتموها سموكم بالاتفاق مع الدولة المنتدبة "
استشعرت مراكز القرار البريطانية حجم التأثير الشعبي الذي يحوزه رجالات المؤتمر الوطني، ومدى استجابة الشارع الأردني لعموم توجهاتهم، وعلى وجه التحديد في الشأن المتعلق بصيغة العلاقة بين الإمارة وسلطة الانتداب، فأوعزت الحكومة البريطانية الى معتمدها في الإمارة الاجتماع بالشيخ حسين الطراونة بهدف الوقوف على حقيقة مطالب المؤتمر الوطني، وترويض هذه المطالب واخضاعها لتوجهات السياسة البريطانية.
انعقد الاجتماع ، وجهد كل طرف في سبيل إقناع الطرف المقابل. المفوض البريطاني لم ينجح في إقناع الشيخ الطراونة بما بات يعرف اليوم بسياسة الأمر الواقع، وبالتأكيد لم ينجح الشيخ الطراونة بالمقابل في اقناع المعتمد البريطاني بأن للأردنيين إرادة حقيقية في التخلص من السيطرة الأجنبية وسياسة الانتداب المهيمنة.
انفض الاجتماع ولم يفض الى شيء، سوى تأكيد حقيقة أن الشغالين بالعمل الوطني السياسي في المراحل الأولى، كانوا بالاضافة الى تجسد وتمثل معاني الاخلاص والوفاء الوطني في صميم وجدانهم ، كذلك يحسب لهم ويعد من مآثرهم هذا الحضور الواعي المدرك لأبجديات العمل السياسي، فما كاد الشيخ الطراونة ورفاقه الوطنيون يغادرون مكتب المعتمد البريطاني، حتى أخذوا في إعداد ورقة سياسية يفندون من خلالها المزاعم البريطانية التي سمعوها من المعتمد البريطاني نفسه، ومبررات النهج السياسي الذي تسعى حكومة الانتداب فرضه على البلاد. ففي مثل هذا اليوم من عام 1928 وجه الشيخ حسين الطراونة كتابا الى المعتمد البريطاني، هو في حقيقته خارطة طريق توضيحية للنهج السياسي الذي ارتضاه واعتمده الوطنيون الأحرار في تلك المرحلة. من أبرز مقاطع هذه الرسالة الوثيقة:
- لي الشرف بأن أعرض على مسامعكم بأنني بلغت الحديث الذي دار بيني وبينكم حول الشؤون الحاضرة لاخواني أعضاء اللجنة التنفيذية بكل أمانة...
- ليس الذين يطالبون بحقوق البلاد المشروعة بضعة أشخاص، ولكنهم ممثلو الأمة الحقيقيون في رغائبها ومطاليبها الوطنية الحقة. وسعادتكم تعلمون ان الأمور هنا جرت على قاعدة الاستقلال برئاسة سمو الامير عبد الله المعظم، ثم طوقتم البلاد بطريق القوة باسم الانتداب...
- إن قرار المؤتمر الوطني - الذي يمثل أعضاؤه أهالي شرق الأردن تمثيلا صحيحا مبني على شقين: الأول منهما عزل السلطة التنفيذية عن المجلس التشريعي عملا بالقواعد الدستورية في العالم وهذا هو المطلب الوحيد والغاية القصوى . أما الشق الثاني فهو تشكيل حكومة وطنية تكون حائزة على ثقة، الشعب وسمو الامير ايضا. وهذا حق للشعب لا نظن ان سعادتكم تنكرونه عليه...
- إننا لا نطمح بكراسي الحكم التي لا تعد بنظرنا شيئا أمام المطلب الأسمى، ونحن أرفع من أن نضحي بمصلحة البلاد تجاه مناصب أو مزاحمة أشخاص هم في الحقيقة اجزاء في البلاد يعيشون من عرق فلاحها البائس....
- إنكم لا تريدون للبلاد نجاحا، وتحبون ان يبقى اهلها على قاعدة العمل البسيط لتحكموهم كما تشاؤون. ان وظيفتكم الانتدابية تدعوكم لأن تكونوا مع الشعب والى الشعب لا ان تكونوا عليه مع غيره.... ( العرب اليوم )