القروض البنكية والدور التنموي

أظهرت الأرقام الحديثة أن التوزيع القطاعي لتسهيلات، قروض، الجهاز المصرفي الأردني تمحور حول القطاع التجاري بالدرجة الأولى وبنصيب يصل إلى نحو 22 بالمئة من إجمالي تلك القروض البالغة نحو 17 مليار دينار أردني، يأتي بعدها قطاع الإنشاءات بنسبة مشابهة تقريبا، ومن ثم قطاع الصناعة وبنسبة تصل إلى نحو 14 بالمئة وقطاع الخدمات والمرافق العامة بنسبة تصل إلى حوالي 11 بالمئة من إجمالي التسهيلات أو القروض المصرفية الممنوحة في البلاد.
والحقيقة الواضحة هنا أن تلك التسهيلات التي تشكل نحو 68 بالمئة من إجمالي ودائع البنوك البالغة نحو 25 مليار دينار تعبّر من ناحية أساسية عن الوضع الاقتصادي القائم، حيث إن حركة مكونات الناتج المحلي الإجمالي تحوم حول قطاع الاستهلاك الخاص الذي يشكل استيراد المواد الغذائية والاستهلاكية المختلفة الأساس فيه، وحول قطاع الإسكان الذي يشكل طلبا، أيضا استهلاكيا، مستمرا في الحالة الأردنية نظرا للتركيبة السكانية والحاجة المستمرة لما يزيد على 30 ألف شقة سكنية سنويا.
من ناحية أخرى فان ما نشهده اليوم من نمو متواضع في التسهيلات المصرفية للقطاع الخاص هو نتاج واضح لما دأبت عليه الحكومات المتعاقبة على مدى السنوات الست الماضية من مزاحمة حقيقية للقطاع الخاص على الأموال المتاحة في البنوك، والأخيرة بدورها تفضل إقراض الحكومات في العادة على إقراض القطاع الخاص، نظرا لعامل المخاطرة المعروف، وما زاد الطين بلة في هذا الصدد هرولة الحكومات على مدى العامين الماضيين نحو امتصاص اكبر قدر من السيولة من السوق المحلية لتغطية عورات الموازنة العامة وتسديد تشوهات الدعم ومصائب خسائر شركة الكهرباء الناتجة عن انقطاع الغاز المصري وتزايد كلف توليد الطاقة في البلاد.
تحول الأمر من مزاحمة القطاع الخاص على السيولة المتاحة الى حالة من تجفيف منابع السيولة في البنوك، حتى باتت السيولة الفائضة، أي الأموال المتاحة للإقراض في البنوك اليوم، والتي لا تكاد تتجاوز 1.7 مليار دينار اقل من أن تكفي لسداد ما تبقى من احتياجات عجز الموازنة العامة للدولة، ما جعل اللجوء للخارج سواء عبر بوابة المؤسسات الدولية أو الدول الداعمة والمانحة أمراً لا مندوحة منه.
في إطار ما تقدم فإن الدور التنموي للتسهيلات البنكية بات محددا للغاية، فهي اليوم إما أن تُستخدم لتمويل العجز الجاري للموازنة والذي لا يشكل أية حالة من حالات التنمية المعروفة، بل هو عبء على الأجيال الحالية والقادمة وعلى التنمية بأشكالها المختلفة، وإما أن تستخدم لقطاعات التجارة والإنشاءات بشكل جوهري، وكلاهما ليس بالمشغل الرئيسي للعمالة الأردنية، بل إنهما ضاغطين أساسيين على الاحتياطات الأجنبية بفعل دورهما في فاتورة الواردات وفي التحويلات العمالية المعاكسة.
لا شك أن للبنوك دورا هاما في مسيرة التنمية الأردنية على الدوام وقد ساهمت جميعها في تمويل مشاريع تنموية كبرى على مر التاريخ الاقتصادي للبلاد.
بيد أننا اليوم أمام حالة خاصة بفعل إرهاصات الاقتصاد العالمي وحالة عدم الاستقرار واليقين في المنطقة العربية انعكس على ما شهدناه من توزيع غير تنموي للتسهيلات المصرفية.
الأمل أن ينعكس ذلك المسار قريبا نحو العودة الى دور الجهاز المصرفي التنموي ليعود الى خطه الحقيقي في رفد الاقتصاد بالعملات الأجنبية ودوره كرافعة لخلق الوظائف والنمو الحقيقي. وكل عام وانتم بألف خير بمناسبة قرب حلول عيد الفطر السعيد. ( العرب اليوم )