مرسي يقود ثورة دستورية سلمية في مصر

اتخذ الرئيس المصري محمد مرسي قبل أيام عددا من القرارات الرئاسية التي كانت لها أبعاد دستورية كبيرة تمثلت في إصدار إعلان دستوري مصحح ألغى بموجبه الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة بأيام. وفقد استتبع ذلك الإعلان الدستوري قرارا بإحالة رئيس المجلس العسكري وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي ورئيس أركان الجيش سامي عنان للتقاعد.
إن الأثر الدستوري الكبير لقرارات مرسي الأخيرة يتمثل في إنهاء سطوة المجلس العسكري على شؤون الحكم في مصر. فمع اقتراب لحظات الحسم في نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة، فاجأ المجلس العسكري المتتبعين بإصدار إعلان دستوري مكمل بتاريخ 17 حزيران ليحد كثيرا من صلاحيات رئيس الدولة ويجعلها مقيدة بموافقة المجلس العسكري. حيث استشعر فلول النظام الرئاسي السابق في المجلس العسكري خطر وصول الاخوان المسلمين ومرشحهم مرسي إلى سدة الرئاسة، فكان الإعلان الدستوري المكّمل بمثابة إعلان حرب مبكرة على الرئيس المصري الجديد.
ومنذ ذلك الوقت، والرئيس مرسي يتصيد الفرص للإنقضاض على المجلس العسكري، فجاءت أولى محاولاته الثورية بعد صدور قرار المحكمة الدستورية العليا المصرية بعدم دستورية قانون انتخاب مجلس الشعب وحله دستوريا. فما كان من مرسي إلا وأن أسرع في إصدار مرسوم رئاسي يقضي بعودة مجلس الشعب المنحل ودعوته للإنعقاد على أن يتم إجراء انتخابات تشريعية جديدة بعد ستين يوما من الاتفاق على دستور جديد للبلاد. وفي أول جلسة للمجلس المنحل، صوت أعضاؤه الذين غالبيتهم من جماعة الاخوان المسلمين بإحالة قرار إعادة مجلس النواب المنحل إلى محكمة النقض المصرية للبت فيه.
إلا أن مرسي قد تفاجأ بجسامة المخالفة الدستورية التي ارتكبها في ظل وضوح النصوص الدستورية التي تقضي بأن محكمة النقض المصرية متخصصة فقط بالطعن بعدم صحة عضوية أي من أعضاء مجلس الشعب بسبب عدم توافر أو فقدان أي شرط من شروط العضوية، وليس في صحة عضوية جميع أعضائه. هذا إضافة إلى أن اختصاص محكمة النقض المصرية معلّق على شرط تقديم الطعن إليها خلال مدة (30) يوما من تاريخ إجراء الانتخاب وإعلان النتائج وذلك استنادا لأحكام المادة (44) من الإعلان الدستوري المصري، وهو الأمر الذي لم يتوفر في طلب الإحالة من مجلس الشعب المصري، فكان قرار محكمة النقض المصرية برد الدعوى شكلا لعدم الاختصاص.
لقد هدف مرسي من قرار إعادة البرلمان المنحل بموجب قرار المحكمة الدستورية إلى مواجهة تفرد المجلس العسكري بالسلطة، ذلك أنه في ظل غياب مجلس الشعب فإن الصلاحية التشريعية انتقلت إلى المجلس العسكري ليضمها إلى صلاحياته الرئاسية التنفيذية. إلا أن المحكمة الدستورية لم تمهله الكثير، فقضت على أولى محاولات مرسي الانقلابية، وذلك من خلال تأكيدها أن حكمها الدستوري نهائي لا يمكن الرجوع عنه، وأنه يتعين على جميع سلطات الدولة احترامه وعدم مخالفته.
وبهذا، تكون أولى محاولات الرئيس مرسي الانقلابية على الوضع الدستوري القائم قد باءت بالفشل. فما كان منه إلا أن استغل الهجوم العسكري الأخير الذي تعرضت له القوات المصرية في شبه جزيرة سيناء والتي أحرجت القوات العسكرية المصرية وجهاز المخابرات فيها، حيث حمّل مرسي مسؤوليتها للإدارة الأمنية والعسكرية، فأطاح برئاسة الطنطاوي عن وزارة الدفاع وبالتالي عن المجلس العسكري، وأقال كلا من رئيس المخابرات المصرية ومحافظ شمال سيناء، فضلا عن استبدال عدد آخر من كبار المسؤولين الأمنيين.
ولتثبيت ثورته الدستورية، فقد أصدر مرسي قبل قرارات الإحالة على التقاعد بيوم إعلانا دستوريا سماه الإعلان الدستوري المصحح الذي يتكون من أربع مواد فقط أهمها إلغاء الإعلان الدستوري المكمل، وبدء نفاذ أحكام الإعلان الدستوري المصحح فورا.
وما أدل على قيام مرسي بثورة دستورية سلمية الاسم الذي اختاره لإعلانه الدستوري بأنه قد جاء ليصحح أوضاعا غير دستورية وغير قانونية كانت قائمة في مصر تتمثل في إعطاء سلطة التشريع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وذلك كما جاء على لسان مستشاره للشؤون القانونية والدستورية محمد فؤاد جاد الله.
كما تضمن الإعلان الدستوري المصحح تأكيد سطوة الرئيس مرسي على تشكيل اللجنة التأسيسة المكلفة بوضع دستور جديد لمصر، حيث أعطى لنفسه الحق في تشكيل جمعية تأسيسية جديدة فى حالة حدوث أي عائق أو مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية الحالية لعملها. أما القيود التي فرضها الرئيس مرسي على حقه هذا في الإعلان الدستوري المصحح، فلا تعدو أن تكون أمورا روتينية وشكلية تتمثل في ضرورة إجراء مشاورات مع كافة القوى الوطنية والسياسية، وأن تضم الجمعية التأسيسية الجديدة فى تشكيلها كافة طوائف وفئات المجتمع المصري.
إن مثل هذه القيود لا تؤثر في جوهر الحق الدستوري المطلق للرئيس مرسي في تشكيل جمعية تأسيسية جديدة لوضع دستور مصري جديد خاصة في ظل غياب أي قيود موضوعية تتعلق بآلية اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية الجديدة ونسبة تمثيل طوائف وفئات المجتمع المصري فيها.
ولم يقتصر الإعلان الدستوري المصحح على إلغاء الإعلان الدستوري المكمل، بل امتد أثره إلى أبعد من ذلك ليشمل الإعلان الدستوري الأصيل الصادر بتاريخ 30 آذار 2011 وذلك بتعديل الفقرة الثانية من المادة (25) منه المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية والتي كانت تعطي المجلس العسكري صلاحيات واسعة منصوص عليها فى المادة 56 من الإعلان الدستورى وتشمل سلطة التشريع وإقرار السياسة العامة للدولة والموازنة العامة، واختيار الأعضاء المعينين فى مجلس الشعب، ودعوة مجلسي الشعب والشورى للانعقاد في دورته العادية وفضها، والدعوة إلى اجتماع غير عادي وفضه، وحق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، وتعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم وإعفاءهم من مناصبهم، وتعيين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين، والعفو عن العقوبة أو تخفيفها.
إلا أن التساؤل الذي ثار حول ثورة مرسي الدستورية السلمية الأخيرة تمثل في مدى أحقية الرئيس المصري في إصدار الإعلان الدستوري المصحح في ظل غياب نص دستوري صريح بذلك. إلا أن الرأي الأرجح يتجه نحو الاعتراف لمرسي بمثل هذا الحق الدستوري، ذلك أن إلغاء الإعلان الدستورى المكمل قد ترتب عليه وقف العمل بالمادة (53) مكرر منه والتي كانت تنص على اعتبار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتشكيلته القائمة وقت العمل بذلك الإعلان الدستوري متخصص بتقرير كل ما يتعلق بشؤون القوات المسلحة وتعيين قادتها وتمديد خدمتهم. كما كانت المادة الدستورية السابقة تعطي رئيس المجلس الأعلى جميع السلطات المقررة لرئيس الجمهورية بمقتضى القوانين واللوائح إلى حين إقرار دستور مصري جديد.
هذا إضافة إلى أن إلغاء الإعلان الدستوري المكمل قد كان دائما مطلبا شعبيا واسعا من ثوار مصر في ميدان التحرير، الذين صوتوا لصالح اختيار مرسي رئيسا منتخبا لهم في انتخابات رئاسية حرة ونزيهة، فيكون ما قام به الرئيس المنتخب من إصدار إعلان دستوري مصحح إجراء دستوري، كونه استند في إصداره إلى السلطة التي منحها إياه الشعب يوم الانتخاب، وتجسيدا لإرادته الشعبية.
إن خلاصة ما قام به الرئيس مرسي من ثورة دستورية سلمية يتمثل في إعادة ترتيب البيت المصري الداخلي وتصحيح الأوضاع الخطأ التي كانت سائدة، فقد تم إعادة الاعتبار لمنصب رئيس الجمهورية من خلال منحه صلاحيات رئاسية واسعة كانت من قبل مقررة لسلطة عسكرية وليست مدنية، معينة وليست منتخبة، ومختارة من قبل النظام السابق.
كما أن ثورة مرسي الدستورية قد أعادت القوات المسلحة إلى ممارسة دورها الأساسي المتمثل في الدفاع عن الوطن وسلامة أراضيه، وذلك بدلا من الزج بها في مهاترات سياسية من خلال تكليفها بممارسة مهام سياسية وتشريعية لا علاقة لها بها لا من قريب ولا من بعيد، حيث تشير التسريبات الصحافية إلى أن ثورة مرسي قد تمت بعد التنسيق والتشاور مع أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، مما أضفى عليها الصفة السلمية. ( العرب اليوم )