قلب عمّان السياسي مع سوريا .. لكن «حساباتها» لا تزال حذرة

لا يستطيع الاردن ان يشارك في اية عملية عسكرية في سوريا، لكنه سياسيا واخلاقيا “على الاقل” يجد نفسه في “بؤرة” الازمة التي يبدو انها تتصاعد بشكل مخيف، فالمشاهد المروِّعة التي تصلنا يوميا من قتل ومجازر وهدم للبيوت لا تترك اي مجال “لضمير” الانسان ان يصمت، وتدفق اللاجئين الذين اقترب عددهم من 200 الف، ووصل منهم فجر امس فقط نحو 3 الاف شخص، يضع الاردن تحت وطأة ازمة انسانية لا يمكن ان يواجهها وحده بامكانياته المتواضعة، كما لا يمكن ان يتعامل معها بمنأى عن حساباتها الامنية الباهظة.
الان، ثبت بانه لا يوجد افق لاي حل سياسي في سوريا، وبأن البلد ذهب فعلا الى “حرب” اهلية طاحنة، وبالتالي فان مهمة الابراهيمي ليست اكثر من اعلان عن “عجز” مجلس الامن والمجتمع الدولي وعدم قدرتهم على فعل اي شيء، فيما يبدو ان “انقرة” تدفع نحو اختراق حواجز “الصمت” الدولي بايجاد منطقة عازلة تسمح للنازحين بالتدفق، بعد ان اعلنت انها لن تستقبل اكثر من “100” الف لاجئ، لكن اصداء هذا الموقف لم نسمعها في عمان بعد، رغم ان اعداد اللاجئين دخلوا للاردن يفوق ضعف اعدادهم في تركيا.
حسابات الموقف الاردني لا تتعلق بمخاوف من انقسام داخلي حول “الملف” السوري، فعدد “شبيحة” الاسد في عمَّان لا يذكر، وكذلك وزنهم في الشارع، لكنها تعتمد على موقف “المجتمع” الدولي الذي ما زال “معلقا”، لاسباب مختلفة، وعلى حساسية “العلاقات” بين الشعبين ومخاوف “تصدير” النظام لازمته، ومع ان عمان تزحزحت قليلا من منطقة “النأي” بالنفس الى منطقة اقرب الى “الثورة” ، الا انها ظلت حتى الان تتعامل بمنطق “الانتظار” والاستكشاف والصبر، وهذا ما بدا واضحا من ردّ الحكومة على اعتذار السفير السوري حين استدعته الخارجية لابلاغه “احتجاجها” على سقوط الصواريخ في الطرة واصابة بعض المواطنين، ومن تصريحات رسمية اخرى حول “انشقاق الشرع” او “مؤتمر حجاب”.. وهذا يعكس طبيعة الموقف الاردني “الحذر” مما يجري هناك.
هواجس عمَّان لا تتعلق فقط بما يحدث الان، وبتداعياته المفزعة على الاردن والمنطقة، وانما بما ستفضي اليه التغيرات والتحولات من مفاجآت، سواء التي تتصارع في سوريا او بامكانية امتداد “الازمة” الى الجيران، كما حدث امس مثلا في لبنان حيث اشتبك السنة والعلويون وسقط اثر ذلك عشرات المصابين.
باختصار، قلب “عمَّان” السياسي على الشعب السوري، لكن “عقلها” ما زال مترددا ولم يحسم موقفه تماما، وهذا مفهوم بالطبع، فنحن لا نستطيع ان نقفز الى ساحة “المعركة” نيابة عن المجتمع الدولي المرتبك والمتردد والمتواطئ، ونحن لا نملك “ادوات” الحسم اللازمة المصلحة اي طرف في سوريا، ومع اننا لا نخفي انحيازنا لـ”ثورة” الشعب والامنا لمشاهد قتله وتشريده، وآمالنا لسقوط النظام باسرع ما يمكن، الا ان “الحل” هناك يتجاوز كل هذه “الادوات والالام والآمال” ويحتاج الى موقف عربي ودولي حقيقي.. اعتقد ان عمَّان لن تتردد عن المشاركة فيه.. وهو -كما اعتقد- ما بدا يلوح بالافق بعد ان تحولت سوريا الى “بؤرة” صراع خطير يهدد الجميع، وبعد ان اصبح التحرك الدولي خارج مجلس الامن “مخرجا” اضطراريا لتجاوز “تصلب” روسيا والصين.
( الدستور )