اوشفيتز أم الحرية؟!
«اوشفيتز» معسكر سيء السمعة للتعذيب والموت كان يدار من قبل المانيا النازية اثناء الحرب العالمية الثانية (1939- 1945). المخيم كان يقع في جنوب بولندا خارج بلدة اسويوسم (Oświęcim) وسموها الألمان باوشفيتز. وكان نهر فيستولا (Vistula) يقع على مسافة حوالي خمسين كيلومترا من المخيم الذي كان اكبر معسكرات الاعتقال النازية للموت وإسمه اصبح يرتبط بالإبادة الجماعية إلى الأبد.
وفي مؤتمر انعقد في واشنطن من قبل اعضاء في الكونغرس الأمريكي يوم 30 يوليو الماضي اتهم اعضاء في الكونغرس القادة الاميركيين والعراقيين بعدم القيام باي شيء لتحسين شروط الحياة المزرية والبائسة للاجئين الايرانيين في مخيم ليبرتي (الحرية) في العراق، حتى انهم شبهوا الاوضاع في ليبرتي بمعسكرات الاعتقال النازية.. وتساءل رئيس لجنة حقوق الإنسان في الكونغرس عما اذا «كان هذا الامر لا يشبه معسكرات اوشفيتز؟» وقال: «هذا يشبه معسكر اعتقال. ارسلنا اناسا الى معسكرات اعتقال». واتهم ايضا ادارة الرئيس باراك اوباما بـ«خيانة» الناس في المخيم لانه لم يعمل بما فيه الكفاية لحل النزاع مع منظمة مجاهدي خلق. (وكالة الصحافة الفرنسية 30 يوليو 2012).
في المقابل، يدعي السيد مارتن كوبلر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق بأن المعايير الإنسانية موجودة في مخيم ليبرتي، في الوقت الذي تهدد فيه السلطات العراقية وبوقاحة على لسان مستشار الامن القومي لنوري المالكي رئيس وزراء العراق فالح الفياض بانها ستستخدم القوة ضد عناصر مجاهدي خلق المقيمين في مخيم اشرف لاجبارهم وبشكل غير طوعي على مغادرة المخيم الى "ليبرتي " رغم عدم توفر ادنى متطلبات الحياة الكريمة في هذا المخيم.
ولكي نفهم حقيقة ان مخيم ليبرتي في العراق اليوم يشبه مخيم اوشفيتز النازي بالامس.. فان هذا الامر لا يحمل اي صعوبة.. فيكفي فقط ان تطالب الامم المتحدة والولايات المتحدة الاميركية السلطات العراقية بان تفتح بوابة ليبرتي امام البرلمانيين والمحامين وحتى ضباط اميركيين خدموا لسنوات في العراق عموما وفي مخيم اشرف على وجه التحديد.
ولكن ببساطة نقول ان السلطات العراقية لن تفعل هذا ابدا، كيف لا وهذه السلطات لم تسمح حتى لوفد فني من سكان اشرف باجراء فحص على البنى التحتية في المخيم الجديد في ليبرتي قبل نقل المجموعة الأولى من أشرف إلىه. ولو فتحت ابواب المخيم يوما امام المراسلين والصحفيين والاعلاميين والمحامين والشخصيات الدولية التي طالبت مرارا وتكرارا بزيارة المخيم، لتبين لنا بكل سهولة ويسر ان مقارنة هذا المخيم مع معسكر اوشفيتز لا يحمل المبالغة. ويكفي للدلالة على ذلك فقط ان سكان المخيم محرمون من اقامة مظلات تقيهم الشمس المحرقة وممنوعون حتى من لقاء ذويهم ومحاميهم، بل لا يسمح لهم حتى من الذهاب الى المسجد لتأدية الصلاة او حتى زيارة مراقد الائمة في كربلاء والنجف ناهيك عن انهم ممنوعون حتى من الذهاب لحضور فيلم في السينما!.
واذا ما توفى احد السكان، مثلما حدث مع المرحوم المهندس برديا أمير مستوفيان الذي توفي إثر الضغوطات والصعوبات والعراقيل الناتجة عن عملية النقل من أشرف يوم 20 مارس الماضي، تقوم الحكومة العراقية باخذ جثمانه كرهينة ولا تسلمه إلى أهله في المخيم لاتمام اجراءات تشييعه الى مثواه الاخير. ليس هذا فقط بل لا يسمح لسكان المخيم بانشاء ارصفة اسمنتية، فهم يمشون على الارض المليئة بالحصى، الامر الذي ادى لاصابة العديد منهم بمشاكل جسدية حادة.. كما انهم ممنوعون من انشاء مسطحات وطرق خاصة للجرحى والمرضى ويمنع عنهم الاستفادة من الرافعات الشوكية لرفع الاثقال ويضطرون للتعامل بشكل يدوي مع هذه المسألة في مجموعات تشكل من 20 الى 30 شخصا مثلما كان يحدث في العصور الوسطى او معسكرات العمل القسري.
اذا جاء ذلك اليوم الذي تفتح فيه بوابة ليبرتي امام العالم الخارجي، فان الرأي العام العالمي سيدهش امام حقيقة ان هذا المخيم هو في الحقيقة معسكر اعتقال اعتباطي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهذا ليس بجديد، فقد اكد تقرير منظمة تابعة للامم المتحدة "فريق عمل حول الاعتقالات الاعتباطية " ان سكان ليبرتي محرمون حتى من حقوق السجناء، معتبرا ان مخيم ليبرتي هو بمثابة سجن.
إن الامم المتحدة يجب ان تتحمل اليوم مسؤولياتها ازاء تحويل ليبرتي إلى معسكر للاعتقال ويجب ان تسأل عن سبب عدم ايفاء الحكومة العراقية بالتزاماتها التي تعهدت بها عند توقيع مذكرة التفاهم بينها وبين الامم المتحدة ولماذا تصر هذه الحكومة كل يوم بابتكار خطوة تلو الخطوة باتجاه تحويل ليبرتي الى سجن حقيقي. أما الإدارة الأمريكية فانها تتحمل المسؤولية الاكبر في هذا الشأن، لأن جميع سكان اشرف وافقوا على الانتقال من أشرف إلى ليبرتي على أساس تعهدات خطية وصريحة قدمتها لهم هذه الادارة.