ما الذي يعطل «الحسم» و«الحل» في سوريا؟

الأزمة السورية تنتظر الانتخابات الرئاسية الأمريكية لتعرف خواتيمها... هكذا تذهب معظم التقديرات السياسية والعسكرية (الاستراتيجية)...لكن القليل كُتِبَ وقيل عن الإستحقاق الأهم الذي ما زالت الأزمة السورية بانتظاره، وأعني به التوافق الإقليمي/الدولي حول المرحلة الإنتقالية و”بديل” النظام القائم أو “بدائله” المُحتملة.
المشكلة بدأت مع تفاقم تضارب مصالح اللاعبين الإقليميين والدوليين في سوريا، وتباين ولاءات المعارضات السورية وتنوع ارتباطاتها ومرجعياتها...تركيا وقطر تدعمان الإخوان المسلمين، فيما الدعم السعودي الرسمي والشعبي يتوزع ما بين السلفيين والجيش السوري الحر، وتحظى باريس بموطئ قدم “ثقيل” في المجلس الوطني السوري، وتجهد الولايات المتحدة في فتح قنوات الدعم والإسناد لمعارضة سورية “مصداقة”...هذا يجعل مهمة التوافق حول “البديل” صعبة للغاية، إن لم نقل مستحيلة.
لقد اقتنعت معظم دوائر القرار العالمي، بأن أيا من أطر المعارضة الخارجية لا يتوافر على شروط البديل أو مؤهلاته...نفوذ بعضها لا يتعدى قائمة المتحدثين باسمها إلى وسائل الإعلام...وعادت الخشية من سقوط سوريا في قبضة “الإسلام السياسي المتشدد” لتلقي بظلالها الكئيبة والكثيفة على قرارات الغرب وخط سيره...ولم يدم الرهان على “الأسماء الكبيرة” من المنشقين حديثاً عن النظام، طويلاً ، بعد أن بات معظم هؤلاء أثراً بعد عين وبسرعة قياسية.
وإلى أن تتبلور بدائل النظام ويقع التوافق حولها...إلى أن تتضح معالم خريطة الطريق للإنتقال بسوريا من عهد إلى عهد (ليس بالضرورة إلى الديمقراطية)، فإن حالة المد والجزر والمراوحة في الأزمة السورية ستطول وتستطيل...والأرجح أن التعامل الدولي مع هذه الأزمة، لن يتخطى “إدارتها” إلى “حلها” طالما ظل الحال على هذا المنوال.
المطلوب دولياً وإقليمياً إطالة أمد الأزمة والتمديد لها، وهذا يخدم من ضمن ما يخدم، أهدافاً أخرى منها أن تدمير سوريا سيوفر فرصاً استثمارية للشركات الغربية والخليجية لإعادة الإعمار...وهذا سيوفر لإسرائيل هدنة غير مشروطة لثلث أو نصف قرن قادم، وهذا سيضعف محور إيران وحلفائها، ويوفر لبعض “الزعامات العربية الطارئة” ميزان قوى مناسب لإطالة أمد تحكمها بالنظام والقرار العربيين في غياب مصر وسوريا والعراق...جملة عصافير يمكن الظفر بها بحجر واحد.
ولعل هذا ما يفسر إلى حد كبير غياب أي مبادرات للحل والحسم سياسية كانت أم عسكرية...صحيح أن إنشغال واشنطن بانتخاباتها الرئاسية يُعد سبباً جوهرياً من أسباب مراوحة الأزمة عند حدود “الكر والفر” والإستنزاف، لكن الإنتخابات – على أهميتها – ليست السبب الوحيد الكامن وراء تعطيل الحل والحسم...واشنطن لا تمتلك البدائل المطلوبة، والمؤكد أنها تعمل على بلورتها واجتراحها.
من هذه الزاوية، ومنها بالذات، يمكن تفسير التعامل مع مهمة كوفي عنان من قبل، والإبراهيمي من بعد، بوصفهما وسيلتان وغطاءان لتقطيع الوقت وتمريره...لا أحد يريد ترك الأزمة إلى “فراغ”، ولا أحد يريد أن يأخذها لضفاف الحسم والحل.
حتى حين يتعلق الأمر بالمناطق الآمنة و”حظر الطيران”، فإن كل ما قيل ويقال بشأنها لا يتخطى المناورات والضغوط السياسية...لا أحد من اللاعبين الكبار، باستثناء أنقرة، راغب في التورط أو قادر عليه...تركيا تهددت وتوعدت من دون أن تقدم على اتخاذ خطوة نوعية....قالت أن خطها الأحمر يقف عند حدود خمسين ألف لاجئ، بعدها ستذهب إلى فرض الملاذات الآمنة داخل الأراضي السورية...ها هو عدد اللاجئين يصل سبعين ألفاً من دون أن تحرك ساكناً...فيعود أوغلو لرسم الخط التركي الأحمر من جديد ، ولكن عند حدود المائة ألف لاجئ، لكنه لن يقامر عند الوصول إليه بخطوة أحادية، وسيظل بانتظار الضوء الأخضر من “النيتو” والبنتاغون.
المسألة ليست في “قدرات سوريا الخارقة” سياسياً وعسكرياً...وأحسب أن الغرب يبالغ في تقدير حجم ونوعية القدرات العسكرية والدفاعية السورية ويبالغ أكثر في تقدير حجم الدعم الذي يتلقاه من حلفائه وأعوان..والهدف في كل الحالات، تبرير إحجامه عن اتخاذ خطوة نوعية لحسم الأزمة...السبب يكمن في أماكن أخرى...أحدها في واشنطن وانتخاباتها وأهمها يتجلى أساساً في غياب بدائل النظام وتفاقم تشتت المعارضات و”الحكومات المؤقتة” السورية.
بعد الإنتخابات الأمريكية ستكون سوريا على موعد مع “المفترق الأهم” في أزمتها الممتدة على مدى عام ونصف العام...إما الذهاب إلى تسوية على الطريقة اليمنية “معدلةً” أو وفق صيغة “طائف 2”، وإما الذهاب إلى جولة جديدة من التصعيد على طريق الحسم، وسيكون لنجاح المعارضة السورية أو إخفاقها في توفير البديل المُقنع للنظام دوراً حاسماً في تقرير أيٍ من الطريقين ستسلكها الأزمة السورية.(الدستور)