الحذر واجب - ليس دائماً

عندما تكون الوقائع على الأرض سائلة وقابلة للتغيير ، والاجتهادات حول التعامل معها متعددة ومتناقضة ، فإن من الطبيعي أن يكون المسؤول حذراً ، وأن يحسب خطواته بالسنتميترات كي لا يرتكب خطأ جسيماً ويتحمل المسؤولية.
الحذر واجب ، ولكن المسؤول الشديد الحذر لن يتصرف بسرعة في الوقت المناسب ، وعلى الأرجح أن حافزه الأول حماية نفسه وليس حماية المصلحة العامة ، والحذر والتحفظ لا يخلق أبطالاً وقادة ، ولكنه بالتأكيد لا يعرض المسؤول وصاحب القرار للإدانة ، ولا يرسله إلى التحقيق.
من قبيل الحذر يأتي موضوع التدرج البطيء بدلاً من إحداث التغيير السريع بأسلوب الصدمة. ومن قبيل الحذر تأتي الخطوات الإصلاحية صغيرة ومتباعدة ، وبعد قدر كبير من جس النبض. ومن قبيل الحذر أن تكون القرارات صغيرة بحيث لن يحدث ضرر كبير إذا كانت خاطئة ، ولكن لن يحدث نفع كبير إذا كانت صائبة.
سياسة الحذر في السياسة المالية تؤدي لاتخاذ إجراءات صغيرة قد يكون من شأنها تخفيض العجز في الموازنة العامة بمقدار 600 مليون دينار من أصل عدة مليارات. وسياسة الحذر في السياسة النقدية هي التي تجعل تغيير سعر الفائدة يحدث بأرباع الواحد بالمئة ، بحيث تكون الأرباح والخسائر ، إن وجدت ، قليلة ومحمولة ، ولا تؤدي للتذمر والاحتجاج.
نتيجة الحذر الزائد عدم إحداث الأثر المطلوب في سلوك الفرد والمنشآت ، فإذا كان وزير المالية يريد أن يصوب المسار المالي فعليه ان يتخذ إجراءات قاسية من شأنها تغيير الصورة لا مجرد تلطيفها.
وإذا أراد البنك المركزي أن يرفع أسعار الفوائد أو يخفضها لتحقيق هدف معين مرغوب فيه ، فعليه أن يرفع أو يخفض الفائدة ليس بمعدل ربع بالمائة بل بأضعاف هذه النسبة.
وإذا أراد استعمال عمليات السوق المفتوحة لتسييل الاقتصاد فعليه أن يشتري من البنوك أوراقاً ماليه بمقدار مليار أو نصف مليار من الدنانير وليس 100 مليون. وهكذا.
في سبعينات القرن الماضي رفع البنك المركزي الاميركي سعر الفائدة عل الدولار إلى أكثر من 20% لكسر حدة التضخم الجامح ، فهل كان يستطيع تحقيق الهدف المنشود لو أنه رفع سعر الفائدة بمقدار ربع الواحد بالمائة.
نفهم الفرق بين الحذر والجبن ، ويظل الحذر واجباً ولكن ليس دائمأً ، وليس عندما يراد إحداث تعديل أساسي في سلوك الفعاليات الاقتصادية.(الرأي)