شُرْفات العيد

في الأردن، يستطيع المراقب النشيط، رصد كافة اتجاهات الأحداث الداخلية والخارجية المحيطة، وبغير جهد خاص يبذله. ففي لقاءات العيد في الأسبوع الأخير، مثلا، وهي لقاءات تتكرر دائما بأشكال ومناسبات كثيرة، كانت لكافة أطياف الرأي، حول كل القضايا، أصوات مسموعة بصورة متساوية.
ومن أولى هذه القضايا، وهذا طبيعي، كان الوضع في سوريا حيث يتصاعد العنف وما يصاحبه من ازدياد تدفق اللاجئين السوريين، علينا؛ وامتداد القتال بين الجيشين السوريين-النظامي والحر- حتى حدود قرانا الشمالية ليوقع إصابات بين مواطنينا بسبب ما وصف ب»الرصاص السوري الطائش.»
والحقيقة أن الإصابات بين مواطنينا لم تقتصر على ما وقع في بلدات الطرة والرمثا، بل تعدتها لتصيب من وصفوا أنفسهم ب»شبيحة الأسد» من مؤيدي النظام السوري، بإصابات لا تقل خطورة عن إصابات الرصاص. لم يذكر أحد ما قاموا به: سلبا كان أو إيجابا. تناساهم الناس كما لو كانوا ينفونهم خارج المجتمع بكل ما عرف عنه من حرص على قيم إنسانية يرفض المس بها. فتبرير قتل الأطفال سبة كافية مهما كانت الشعارات المرفوعة.
برزت، في أحاديث شرفات العيد هذه، كما سماها أحدهم، ثقة واضحة، يكاد يلمسها المرء، في الناس، في أن بلادهم، بما عرف عن اتجاهات سياساتها الحكيمة، لن تتدخل عسكريا في سوريا، لا مباشرة ولا مشاركة.
لذلك اقتصروا في حديثهم على معرفة آثار التطورات السورية على شؤونهم الداخلية. هل ستؤجل انتخاباتنا النيابية، مثلا، لو تفاقمت تلك الحالة، كما حدث مع العراق في 2002/2003؟ هذا، بالإضافة لأمور أخرى تتسكع في هوامش وعيهم السياسي، ينطوون، عليها بكثير من الاطمئنان.
لم تكن هذه حالهم قبل شهر واحد فقط. لم يعودوا يكترثون، مثلا، بأخبار مسيرات الربيع العربي واعتصاماته. ربما هم يشعرون بالخيبة حيال ما يجري في مصر وليبيا وتونس من تخبط سياسي يهدد بابتلاع كل مخرجات الثورة في تلك البلدان. فقدت الكلمات، هنا، كل معانيها فصمتت الكلمات.
وهو صمت بليغ يوحي، لو نجح استنطاقه، بقبول مواطنينا بحقيقة تترسخ جذورها عميقا كل يوم وهي أن سياسة بلادهم وما تصنعه من استقرار وما توفره من فرص للنجاح رصيد لهم جميعا من الخطأ التفريط به، تحت أي شعار، فهو بديلهم المضمون لكل وعود ثورات الربيع العربي العائمة. وهو ما يمثل، في الحقيقة، قوة أردنية رادعة للذين يحاولون التعرض لهذا البلد وشعبه.
على خلفية هذه الاتجاهات الفكرية والنفسية، اقتصر الحديث على مشاكلنا الداخلية: الانتخابات النيابية؛ وموعدها المعلن والمحتمل؛ وتساؤلات ما إذا كانت المهلة المتبقية من هذا العام كافية لحصول كل أردني على بطاقته الانتخابية؛ وآراء ذات علاقة تشي، كلها، بقبول عملي بكل الترتيبات المعلن عنها وما يمكن أن تتخذه، في القادم من الأيام، الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات والإشراف عليها.
في شرفات العيد وما يماثلها من لقاءات مستمرة، تترسخ قناعات نهائية لدى مواطنينا بأن هذا الوطن، وتقاليده في العمل السياسي الناجح، هو الحاضنة الصلبة لكل طموحاتهم في المستقبل الذي يعملون على بنائه. 0 الرأي )