قانون المطبوعات وتعديلاته المتكرِّرة

عُدِّل قانون المطبوعات والنشر، مراراً عديدة، خلال العقدين الماضيين؛ وجميع التعديلات، التي أُجريَتْ عليه، استهدفتْ تقليص حريَّة التعبير، خصوصاً في المنابر الإلكترونيَّة، وإعادة الناس (وليس الإعلام فقط) إلى القمقم الصغير الذي خرجتْ منه منذ عقدين من الزمان. وفي العادة، فإنَّ القانون المعدَّل سرعان ما يصطدم بمعطيات الزمان الجديد وشروطه، فيتعذَّر تطبيقه، وتصبح تعديلاته بلا قيمة ولا وزن على أرض الواقع، ثمَّ لا تلبث أنْ تُجمّد ويجري التراجع عنها إلى حين.
 وثمَّة تلازم أصبح معروفاً، الآن، بين اشتداد نقد الناس للفساد ورموزه وبين محاولات تشديد القيود في قانون المطبوعات؛ فهذه المحاولات تهدف، في العادة، إلى وقف متابعة موضوعات الفساد، في المنابر الإعلاميَّة المختلفة، والتستّر على المتورِّطين به وأشكال تورّطهم ومستوياته. لكن، في كلّ الأحوال، لم يعد بالإمكان، الآن، إعادة الناس إلى الوراء؛ كما أنَّ تكنولوجيا الاتِّصال والإعلام تطوَّرتْ إلى الحدّ الذي أصبح يتعذّر معه على أيّ حكومة في العالم أنْ تتحكّم بحركة تبادل المعلومات والأخبار والآراء. وبالتالي، فإنَّ أيّ محاولة لفرض قيود جديدة على الإعلام، وخصوصاً على المنابر الإلكترونيَّة، تبدو دينكوشوتيَّة تماماً وتعكس جهل أصحابها بتطوّرات العصر وضروراته.
 ما زالت الحكومات قادرة، بالطبع، على التحكّم، بالصحافة الورقيَّة والإذاعات المسموعة والمرئيَّة، إلى حدٍّ ما؛ لكنَّها لا تستطيع التحكّم بالمنابر الإلكترونيَّة بالمستوى نفسه. فهذه الأخيرة، حتَّى إنْ كان أصحابها ومسيِّروها ينتمون إلى بلدان مختلفة، فإنَّها ليست محليَّة تماماً؛ بل هي جزء من الفضاء الإلكترونيّ الدوليّ؛ أو بالأحرى، العابر للدول والذي يصعب إخضاعه لاشتراطاتها وقيودها وحدودها.
 من الموادّ الطريفة في قانون المطبوعات الجديد مادَّة تعاقب المنابر الإلكترونيَّة غير الأردنيَّة بالحجب إذا هي أقدمتْ على نشر موادّ تتعارض مع القانون الأردنيّ. وهذه الصيغة الكاريكاتيريَّة العجيبة ليست سوى نتيجة طبيعيَّة لتوهّم الحكومة أنَّها تستطيع فصل المنابر الإلكترونيَّة الأردنيَّة عن فضائها الإلكترونيّ الدوليّ الذي تتحرَّك فيه، وإخضاعها لشروط مغايرة لشروطه؛ لكنَّ هذا غير ممكن مِنْ دون إخضاع الفضاء الإلكترونيّ الدوليّ بمجمله لشروط الحكومة الأردنيَّة وسلطتها! وهنا أتساءل: ماذا لو دعت المنابر الإلكترونيَّة الأردنيَّة نظيراتها في مختلف أنحاء العالم إلى التضامن معها بنشر موادّ إعلاميَّة تتعارض مع قانون المطبوعات الأردنيّ الجديد؟ فهل ستحجب الحكومة جميع المنابر الخارجيَّة التي تنشر تلك الموادّ؟
 لا يعني هذا أنَّنا ننكر وجود العديد من المنابر الإلكترونيَّة الأردنيَّة التي تفتقر إلى أبسط الأصول المهنيَّة وإلى الأعراف والقيم الأخلاقيَّة، والتي لا تقلّ فساداً عن فساد مَنْ تشهِّر بهم مِنْ المسؤولين الفاسدين؛ لكنّ معالجة تلك الانحرافات ووضع حدٍّ لها لا تكون بتقييد حريَّة التعبير؛ بل بالمزيد منها؛ كي يكتشف الناس مِنْ تلقاء أنفسهم المنبر الجادّ والمحترم والمتقيِّد بالأصول المهنيَّة والحريص على صدقيَّته، من المنبر الفاسد والهابط في قيمه وفي مستواه المهنيّ.
 بيد أنَّ آخر ما يريده الذين يقفون وراء مثل تلك القوانين المقيِّدة لحريَّة التعبير، هو الأصول المهنيَّة، والقيم النبيلة، والصدقيَّة. فمشكلتهم هي، على الأغلب، مع المنابر الصادقة وذات المستوى المهنيّ الجيّد. أمَّا الأخرى، فما أسهل ما يتوصَّلون معها إلى حلٍّ يرضيها ويرضيهم، على حساب البلاد والناس وقضاياهم. 0 العرب اليوم )