الإعلام وآلام المخاض العربي

يخشى كثيرون، من إعلاميين ونشطاء إصلاح وثوريين، على الإعلام العربي من أن يكون ضحية ما بات يعرف بـ « الربيع العربي»، منشأ الخشية هذه يكمن في عدة ظواهر أهمها: (1) تعرض الصحافة والمؤسسات الإعلامية والصحفيين لأوسع عملية استهداف «جسدي» أودت بحياة كوكبة منهم، وألحقت دماراً كاملاً أو جزئياً بعديد المؤسسات، (2) قيام نظم ما بعد الثورة (الإسلامية منها بخاصة) بعمليات ضغط واحتواء ومحاولات تكميم أفواه للعديد من الصحفيين والمؤسسات الإعلامية.
سوريا كانت البلد الذي فُقد فيه صحفيون كثر (وصحفيات كذلك)، أرواحهم وتعرضوا للقتل والخطف والابتزاز والتهديد من النظام والمعارضة، سوريا شهدت استهدافاً منهجياً منظماً لمؤسسات إعلامية وصحفية بالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة، سوريا حيث تعرض مثقفون وفنانون ومغنون لعمليات اعتداء جسدي بلغت حد انتزاع الحناجر وتكسير الأيدي والضرب المبرح المفضي للإعاقة.
مصر، يعاود الرئيس المصري الجديد إنتاج سيرة سلفه المخلوع، عمليات التغول على الإعلام تسير على قدم وساق، وبدل التأسيس لاستقلالية موسسات الدولة الإعلامية يجري تبديل «مارينز الإعلام المباركي البائد بكتائب التدخل السريع الإخوانية»، تُغلق محطة تلفزيونية ويعتقل رئيس تحرير صحيفة ودائماً بالاستناد لـ»الاتهام السقيم الرائج»: إطالة اللسان والمس بشخص الرئيس، وربما، بما لم يكن الرئيس المخلوع ليجرؤ على فعله.
في تونس، تحذو النهضة حذو إخوان مصر، وتغذ الخطى على طريق الهيمنة والاستحواذ، وبصورة لم يطق معها رئيس البلاد وحليف «النهضة» في ميادين الثورة وساحاتها، صبراً على خطط الهيمنة، أما الإعلام التونسي فيتعرض بدوره لعمليات إخضاع ممنهجة، تعيد إنتاج تجربة الوكالة التونسية للإعلام والاتصال.
هي صورة ليست «وردية» على أية حال، بل ولا تنتمي لأي من ألوان الربيع (حتى الآن على الأقل)، تبرر للمتشائمين والمتخوفين، تشاؤمهم وخوفهم، لكننا مع ذلك نرى أن منسوب الجرأة والشجاعة عند الصحفيين والإعلاميين وحلفائهم من ناشطي الإصلاح والحراكات والثورات والإنتفاضات، بات مرتفعاً للغاية، بل وأعلى من أي وقت مضى على هذه المنطقة، والصحافة قادرة على الدفاع عن نفسها مدعومة بجيوش جرارة ٍمن «المواطنين الصحفيين» ينخرط فيه بنشاط، ملايين العاملين على الإنترنت وشبكات التواصل الإجتماعي والإعلام الخاص.
المنطقة العربية تعيش آلام الانتقال من «سنوات الركود والاستبداد» الطويلة التي عاشتها إلى ضفاف مرحلة جديدة تصعب قراءة ملامحها من الآن، والإعلام ليس «جزيرة معزولة» أو نائية عن مجتمعاته ودوله وحكوماته و»حواضنه»، المؤكد أنه يمر بمخاض أصعب وأشد مرارة، لكن الأيام الأكثر اسوداداً باتت وراءنا، ذهبت ولن تعود بعد أن «طلقت» شعوبنا ثقافة الخوف والخنوع، وأختم بالجزم بأن قامة الإعلام أعلى من قامة الحكام، وما دخل حاكم مستبد في معركة مع الصحافة إلا وخسرها؛ فلننتظر لنرَ.(الدستور)