في الحرية والفوضى أفكار غير مرتبة!

الفرق بين الحصانة على النائب في مجلس النواب، والحصانة على الصحفي فيما يخص قانون العقوبات.. هو أن النائب منتخب ويمثل الشعب ويصدر في آرائه وتوجهاته عن رأي كفل له الدستور الحماية.. طالما أنه ما يزال نائباً. في حين أن الصحفي يتعامل بالخبر أولاً، وهذا لا حصانة له، لأنه يحتمل الصدق كما يحتمل الكذب، ويتعامل بالرأي وهذا لا يشكّل رأي الناخب.. ولذلك يكون المحرر المسؤول في الصحيفة طرفاً في الاتهام أمام المحكمة، ويكون أحياناً صاحب المطبوعة!
لم توضع الدساتير لتأمين حصانات أمام المحاكم. وهناك في الفقه الدستوري من هو مدعو، وخاصة في أيام الفوضى الفكرية والسياسية التي نعيشها، ليشرح كل ما يرد تحت باب الحريات الديمقراطية. ولعل التعديل الذي ادخلته الحكومة على قانون المطبوعات والنشر ليشمل المطبوعة الإلكترونية نموذج لما ندعو له علماءنا من أساتذة الفقه الدستوري إلى تفسيره للناس، فبقاء الصحافة الإلكترونية خارج القانون باسم الحرية، هو تماماً كقمع هذه الصحافة باسم الحرية. وشمول هذا النمط الجديد من الصحافة بالقانون انما هو اعتراف رسمي بها، وحماية لها من دخول العناصر المتطفلة عليها.
الحرية هي الحرية على إطلاقها، لكن المسؤولية الوطنية التي تبني بها الأمم دساتيرها، وتحدّد سلطاتها هي التي تضع الحدَّ بين الحرية والفوضى، وبين البناء والتخريب.
في الخمسينيات من القرن الماضي كان التلفزيون مؤسسة حكومية أو شبه حكومية. وحين بدأ التلفزيون الحكومي يستقبل الإعلانات احتجت الصحافة. لا لأنه يطال حريتها، وإنما لأنه يطال مداخيلها الإعلانية. ونعرف وقتها أن الحكومة الفرنسية كتعويض على الصحافة كانت تدفع كلفة الورق. ولا نعرف بلداً آخر لجأ إلى هذا النمط المحترم من التعويض!
في زمن الفوضى الفكرية والسياسية، ونحن نعيش هذا الزمن بكل مرارته، علينا أن نتمسك بدستورنا أكثر، وأن نحافظ على تقاليدنا أكثر.. فبيّن الحريّة والفوضى.. شعرة!(الرأي)