المناورة والسياسة من نافذة طهران

هل سيكون الحشد الأممي الكبير نهاية هذا الأسبوع في طهران، الذي سيضم أكثر من مائة دولة في قمة دول عدم الانحياز، فرصة لاستدارة إيرانية محبوكة وهادئة تفاضل فيها بين مستقبل مشروعها النووي العتيد، وبين التخلي التدريجي عن الحلفاء والأصدقاء القدامى في دمشق؟ وهل سيبصق البعثيون الذين لم يقرأوا تاريخ تطور الأفكار والانتماءات القومية في المنطقة جيدا، في وجه حرس الثورة الإيراني قبل أن يفعلها الأتراك، على حد تعبير أحد المعلقين الإسرائيليين؟ أم أن حفلة طهران لن تكون أكثر من محاولة إيرانية لتبديد المخاوف، كمن يرفع صوته صارخا في واد ليمنح نفسه الوهم بالأمان، على حد تعبير أحد السياسيين اللبنانيين؟
وسط المركب المعقد من المصالح والمصائر المعلقة على بندول الساعة السورية، يبدو الشرق الأوسط القادم غير قابل لاحتمالات متعددة وغير متوقعة، بل ولحركة في الجغرافيا السياسية طالما تحدثت عنها السيناريوهات والتقارير السرية والتسريبات الإعلامية منذ عقود، حتى كدنا نعتقد أنها مجرد مقولات في الدعاية الدولية، بينما تثبت الأحداث أبعد من ذلك، وأن تلك الخطط موجودة في الأدراج تنتظر الظروف الملائمة أكثر من أي شيء آخر.
ثمة رهانات دولية خجولة على قمة طهران لتحريك الركود السياسي حول سورية، في الوقت الذي سارعت فيه طهران إلى تأييد جهود المبعوث الأممي الجديد الأخضر الإبراهيمي، ووعدت بأنها سوف تقدم للقمة مبادرة جديدة لحل الأزمة السورية. وأبعد ما يمكن أن تصل إليه أي خطة إيرانية مشفوعة في ضوء قراءة تطور خرائط القوة على الأرض، ومشفوعة بوعود وإغراءات غربية، هو نمط آخر من الانتقال السياسي، يقضي بوصول حكم مؤيد أو غير معاد للنظام الحالي، أو على أقل تقدير يكون المؤيدون للنظام الحالي أحد الأطراف الأساسيين في معادلة الحل، وهو الأمر الذي ينسجم إلى حد ما مع تصريحات نائب رئيس الوزراء السوري، قدري جميل، الأخيرة من موسكو، والتي تحدثت عن أن فكرة تنحي الرئيس قابلة للنقاش.
عمليا، من المحتمل أن تكسر قمة طهران، ولو مؤقتا، حدة العزلة الإيرانية، والحصار الاقتصادي والمالي المفروض غربيا منذ العام 2006، وستمنح للإيرانيين مجددا ورقة شرعية في قيادة أكبر تكتل دولي خلال فترة رئاسة مجموعة دول عدم الانحياز، وتحديدا نحو التحرك في الملف السوري خلال الأسابيع القادمة. وعلى المستوى الأول، من المحتمل أن يواجه التحرك الإيراني الداعي إلى تشكيل مجموعة اتصال من أجل الحل السياسي في سورية -يدعو إلى حوار وطني بمشاركة المعارضة ويقف في وجه التدخل الأجنبي- ممانعة من نوع جديد تتبلور الآن بين الرياض والقاهرة، بعد المبادرة المصرية التي عرضها الرئيس مرسي في القمة الإسلامية مؤخرا، والتي تقضي بتشكيل مجموعة إقليمية من مصر والسعودية وإيران وتركيا، مستبعدة النظام السوري. أما المستوى الثاني، فهو احتمالات ضعيفة بتفاهمات إيرانية غربية لصفقة يتبادل فيها الإيرانيون تنازلات بشأن الملف النووي مقابل تنازلات في الملف السوري.
الخلاصة في قمة طهران ستكون في كيفية مناقشة فكرة تنحي بشار الأسد، وإلى حد يمكن المضي بهذه الفكرة، أو أن تثبت بأن تلك التصريحات مجرد مناورة لكسب المزيد من الوقت، ودفع المعارضة إلى طاولة مفاوضات ممتدة من طهران إلى دمشق.
( الغد )