بين التخوين والأخونة!!

ما من فترة ازدهرت فيها المصطلحات الاشتقاقية ذات الدلالة السلبية كهذه الاونة الحرجة، والمعنى الوليد لـ اللبننة او الصوملة او الجزأرة والتونسة على غرار البلقنة، هو ان البلد قد تحول الى امثولة، سواء في حرب اهلية او صراع طائفي او انتحار مذهبي. وآخر بل احدث هذه المصطلحات ما تتداوله الفضائيات والصحف المصرية هذه الايام وهو «الاخونة» اي فرض نموذج الاخوان المسلمين على الدولة، وسائر ديناميات الحراك الفكري والسياسي، وسبب ذلك ببساطة هو فوز الاخوان المسلمين في انتخابات البرلمان والشورى ثم الرئاسة.
مقابل تهمة الاخونة او فرض نموذج الاخوان على الدولة ثمة تخوين، قد تعلو نبرة هذا المصطلح او تخفت تبعا للمناسبات ودرجة حرارة الخلاف الذي يتحول بسرعة الى صدام. ما دام الميدان موجودا ولم يهاجر من مكانه وما دامت الافكار هي ايضا لم تغادر الرؤوس.
قبل مصطلح اخونة الدولة، ساد لفترة مصطلح العسكرة، وذلك عندما كان المجلس الاعلى للقوات المسلحة يتربع على قمة السلطة ولو لمرحلة انتقالية، لكن ما ان اطاح الرئيس الجديد بالمشير والفريق وهما اقوى عناصر المجلس حتى توارى مصطلح عسكرة الدولة، ليحل مكانه على الفور الاخونة.
واول تحليل لهذه العائلة او المتوالية من المصطلحات هو ان هاجس الخوف من الاخر اذا تسلم السلطة مزمن لدى الناس فالفرعون كما يقول ناشطون مصريون هو صناعة مصرية بامتياز، واخر ما سمعته في هذا السياق عبر احدى الفضائيات هو ما قاله الصديق الكاتب والصحفي عادل حمودة، فقد قال ان مصر تصنع فرعونها لكنها تلتهمه كما كان يفعل القدماء بآلهة التمر ثم تصنع فرعونا جديدا الى اخر المتوالية.
ولعل المقصود وعلى نحو مباشر من هاجس اخونة الدولة هو تمدد تيار الاخوان المسلمين الى كل مناصب الدولة والمفاصل الحيوية فيها.
وهذا ما قاله المرشد السابق خلال شهر رمضان وفي برنامج اسمه زمن الاخوان على فضائية مصرية، فقد قال مهدي عاكف انه يعترض على تسمية هذه الفترة في مصر بزمن الاخوان لان زمنهم لم يأت بعد وعندما يأتي يكون السفراء والمحافظون ومختلف اصحاب المواقع الرسمية في البلاد من الاخوان.
فهل تخلصت مصر من هاجس عسكرة الدولة ودخلت الى هاجس «اخونتها»؟
وبذلك تكون كما يرى المتحمسون الليبراليون للدولة المدنية كمن هرب من الرمضاء الى النار او العكس!
ما تفتضحه هذه المصطلحات وبالتالي الهواجس التي تعبر عنها هو ثقافة الاحتكار التي تفرز بالضرورة ثقافة الاقصاء.
وكأن ما ترسخ في ذاكرة هذه الامة خلال قرون هو ان من يصل الى سدة الحكم شعاره من القصر الى القبر وليس من المهد الى اللحد شأن كل عباد الله!
ان تسارع الاحداث وازدحامها وحمى السجال المصاحب لهذا كله يحرمنا من قليل من التأمل لما يجري، وكأن الوقائع تنسخ بعضها، فلا نكاد نرى مشهدا حتى يختفي وراء مشهد اكثر منه درامية واثارة.
فهل دخلت مصر الان الى فاصل جديد يمكن تسميته التخوين والاخونة؟؟ ( الدستور )