الرباعية «الإقليمية».. هل تعيد مصر إلى دورها؟

ثمة «رباعية» جديدة على الطريق.. لن تكون «دولية» على غرار الرباعية التي تشكلت قبل عشر سنوات (مدريد 2000) واقتصرت عضويتها على روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة, ومسارها الطويل ونتاجها «الصفري» معروف لدى الجميع, رغم ان سلطة رام الله ما تزال تعلق عليها آمالاً يعرف المبتدئون في علم السياسة أنها مجرد أوهام.
الرباعية المقترحة هي اقليمية العضوية بالمطلق وهي مقترح مصري في الاساس, اعلن عنه الرئيس محمد مرسي في قمة مكة الاسلامية الطارئة ونهض على اساس تشكيل مجموعة اتصال رباعية, هي بالترتيب غير المقصود ايران, تركيا, مصر والسعودية, تتولى ايران وتركيا الاتصال بالفرقاء السوريين والتوصل الى اتفاق, تكون مصر والسعودية هما الضامنتان للاتفاق..
وبعيداً عن الدخول في متاهة التكهنات والتوقعات واحتساب نسب النجاح (أو الفشل) الذي يمكن لهذا المقترح أن يحققها, فإن من المفيد التأمل في تفصيلات المشهد الجديد, الذي برز في اللحظة التي «دخلت» فيه القاهرة على المشهد الاقليمي وانخرطت في الصراع الدولي والاقليمي المحتدم الان في الساحة السورية وعليها, ولكنه دخول محايد وحذر (حتى الان) وليس على الطريقة التي دأب عليها نظام حسني مبارك, تابعاً ولا يتخذ مواقف او قرارات الا انسجاماً وخدمة للمصالح الاميركية والاسرائيلية, حتى في اكثرها فجاجة وعدوانية ودموية, كما يحدث في فلسطين وخصوصاً قطاع غزة, ناهيك عن جنوب لبنان والعراق وغيرها من الساحات التي شهدت أبشع انواع العدوان الصهيواميركي..
مصر اذاً غير منحازة (في اقتراحها هذا على الاقل) وهي تسعى ربما الى بعض التوازن أو مجبرة على اتخاذه, بعد أن اتضح لها أن الازمة السورية أكثر تعقيداً وخطورة من حصرها في الشعارات, التي ترفعها بعض العواصم العربية, والفضائيات التي ترطن بالديمقراطية وحقوق الانسان وغيرها من الاكاذيب التي تحاول تسويقها، زد على ذلك ان المقترح المصري لا يُلغي الدور الايراني الذي يريد البعض (عربيا وغربيا) الغاءه او شطبه او تجاهله, وهو امر تدرك القاهرة انه غير ممكن أقله ان طهران هي البوابة الوحيدة المتوفرة الى دمشق (دع عنك موسكو وبيجين) اضافة الى انها «طهران» تعلن في شكل لا تلعثم فيه او ارتباك, انها لن تسمح باسقاط النظام السوري وان امن سوريا هو من امن ايران, ما يعني ان تجاهلها نوع من «العبط» السياسي الذي لا يصلح لمعالجة ازمة متفجرة, لا يشك كثيرون بان مآلاتها «ستدفن» النظام الدولي غير المستقر الراهن, أي ان نظاما دوليا جديدا سينبثق من رحم الازمة التي تعصف بسوريا.
الاضواء مسلطة على طهران هذه الايام, بسبب انعقاد قمة حركة عدم الانحياز وبخاصة في قراءة الرسائل التي انطوت عليها مشاركة الرئيس المصري في تلك القمة, وان كانت القاهرة قد بدأت تخفيض سقف التوقعات عندما قالت انها مشاركة بروتوكولية, لن تزيد مدتها عن خمس ساعات وسيغادر مرسي طهران مباشرة بعد جلسة الافتتاح, وانه لن يلتقي أي مسؤول ايراني, وان لا تطبيع في علاقات البلدين الدبلوماسية المقطوعة منذ ثلاثة عقود.
ومع ذلك... فإن الرباعية الاقليمية التي اقترحتها القاهرة تلحظ دورا مهما وحيويا لايران في الازمة السورية (وفي المنطقة بالتأكيد) وهو مقترح قد تكون له نتائجه اذا ما وافقت الدول الثلاث المعنية عليه (الرياض خصوصا وانقرة وطهران) ناهيك عمّا اذا كانت تلك العواصم ستمضي قدما في قبول الاقتراح دون الحصول على ضوء اخضر من عواصم دولية باتت منخرطة بقوة في الازمة السورية, وبالتالي قد ينسف (او يعرقل) المقترح المصري خططها سواء في التدخل العسكري او اقامة مناطق عازلة او ممرات انسانية وغيرها من المقترحات التي تتخفى خلف شعارات انسانية مزيفة.
ايا كان مصير المقترح المصري, فان مجرد استعداد القاهرة للتخلي عن دبلوماسية التبعية وادارة الظهر للقضايا العربية التي انتهجها نظام مبارك اضافة الى محاولتها الظهور بمظهر «غير المنحاز» او المنخرط في لعبة المحاور التي دأب عليها مبارك وعصابته، يعني ان مصر الجديدة (بصرف النظر عن هوية مرسي الحزبية) تسعى لاستعادة دورها الريادي وهو امر محمود على أي حال, وإن كان التفاؤل ما يزال... مبكرا. ( الرأي )