الاخوان وخلو مرحلة «الكمون»

يبدو ان دوائر صناعة القرار مطمئنة الى حالة “الكمون” التي انحاز اليها الاخوان منذ نحو شهرين، صحيح ان الجماعة اشهرت موقفا حازما تجاه “المشاركة” في الانتخابات، وصحيح انها ما تزال مصرّة على مطالبها “للاندماج” في العملية السياسية، لكن الصحيح ايضا ان لدى الاخوان “ازمة” داخلية تمنعهم من الانخراط بزخم في حراكات الشارع، كما ان لديهم “استشعارا” بانهم اصبحوا في دائرة “الرمي” المباشر من جهات عديدة، وكل هذا يجعلهم اكثر حذرا واقل فاعلية، واقرب الى “الجلوس” - ولو مؤقتا - على مقاعد المتفرجين.
حين تدقق في مشهد الاخوان من الداخل، تكتشف بان “تداعيات” الانتخابات الاخيرة ما تزال تخيم على اداء الحراكة، وبان ثمة فجوة بين الجناحين المتنافسين على قيادتها، وفجوة اكبر بينهما وبين “الشعب” والقواعد، وليس سرا ربما ان بعض قيادات الصف الاول تشعر - بالحرج - الان من “حدّة” الشعارات التي رددها “شباب الاخوان” مؤخرا في الشارع، وانها تشكو من عدم قدرتها على ضبط هؤلاء، كما ان قياديين محسوبين على خط “الاصلاح” لم يترددوا في انتقاد موقف الجماعة من القوى والحراكات الاخرى، وهو كما يقولون موقف “غير واضح” ومنحاز ايضا لمصلحة “الحركة” على حساب مصالح الجماعة الوطنية ومطالب حراكاتها الشعبية.
ثمة من يرى ان موقف الاخوان “البارد” في الشارع كان نتيجة لحوارات طويلة جرت بينهم وبين بعض “الوسطاء” الرسميين، وان الجماعة التزمت بان تقتصر معارضتها على “اعلان” المواقف فقط، دون افتعال اي صراعات او ممارسة اي تحريض او الوصول الى “مكاسرة”، وهذا - وفق رؤية البعض - موقف عقلاني، لكنه وفق اخرين يشكل تراجعا وربما تواطئا من الحركة ضد شركائها والمتعاطفين معها.
من وجهة نظري ان القيادات الاخوانية التي تتسيد المشهد ليست معنية بمشروع الاصلاح الا من زاوية واحدة وهي “الانتخابات”، وبالتالي فان حل “استعصائها” عن المشاركة له طريق واحد وهو اصدار قانون انتخاب يراعي وزنها في الشارع ويعكس طموحاتها في المشاركة بالقرار.
لكن من اللافت هنا ان الاخوان لا يريدون ان يتحقق ذلك في الوقت الراهن، وانما يدفعون نحو تأجيل هذا الاستحقاق الى اقصى مدة ممكنة وذلك لاكثر من سبب، منها انتظار حسم الملف السوري، وترتيب اوضاع “الحركة” داخليا، وتهيئة مناخات سياسية تسمح لهم بالخروج من دائرة “الشيطنة” التي وضعهم البعض فيها وساهمت - الى جانب اخطاء ارتكبها بعض اعضاء الحركة - في تقليص وتراجع شعبيتهم في الداخل.
لدى الاخوان الان تصورات وتوقعات تجعلهم اكثر حذرا عند التعاطي مع حراكات الشارع، وعند “مخاصمة” الحكومة وانتقادها، فهم يعرفون تماما ان آفاق مشروع الاصلاح اصبحت مسدودة، وان اغلبية المجتمع ما زالت “ممتنعة” عن المشاركة، اية مشاركة، وبان الرهان على “الشباب” الذين يحتجون في الشارع لم يعد مضمونا، وبالتالي فان حسابات الحقل تختلف عن حسابات البيدر، وبقاؤهم في الشارع قد يكلفهم اكثر مما يجب، وقد يحرمهم من “نصيبهم” في المستقبل.
باختصار، يدخل الاخوان في مرحلة “الكمون” الاجباري او الاختياري، لا يهم كيف، اما لماذا فلأنهم يشعرون بان الوقت لا يعمل - الان على الاقل - في مصلحتهم، وبان امامهم فرصة الشهور القادمة لحسم مواقفهم، واختبار قوتهم وتحديد بوصلتهم في اتجاه “الريح” الذي لا يعرفون حتى الان في اي اتجاه يسير.
( الدستور )