الخيارات المأزومة: السياسة والثروة والنخبة

لجأت الحكومة الى خيار رفع أسعار المشتقات النفطية في توقيت حرج سياسيا واجتماعيا، إذا ما أضيف إليها حزمة قرارات وإجراءات سياسية وإدارية أقل ما يوصف بعضها أنها غير مسؤولة، وعلى رأسها موجة الاسترضاءات السياسية التي تشق البلاد طولا وعرضا، والتي تولّد في هذا الوقت حالة من الاحتقان الشعبي، إلى جانب معاداة الإعلام وافتعال معارك ليست في وقتها ولا في موضوعها المناسب.
المواطن الأردني يدفع ثمن الارتجال السياسي والإداري لنخب غير خبيرة وتعاني من أزمة في خياراتها، تضيف المزيد من التأزيم للأزمة الاقتصادية والسياسية التي تشهدها البلاد منذ سنوات، وهي ذاتها العقلية والمنهجية التي أوصلت فاتورة الغاز والكهرباء لتتجاوز المليار دينار خلال عام واحد، وكان بإمكانها بالقليل من المعرفة لمنطق الأسواق وتضاريسها والقليل من الإرادة أن تتجاوز أزمة الغاز المصري خلال أسابيع قليلة. في المقابل عجزت عن تدبير مائة مليون دينار للتكيف مع تذبذب أسعار النفط العالمية، في الوقت الذي جمّدت الخيارات الوطنية الأخرى في البحث عن حلول استراتيجية لأزمة الطاقة، بل تعاملت بعقلية سياسية سطحية مع مصادر التهديد الاقتصادي والاجتماعي، ولم تقدم أكثر من المهدئات والاسترضاء للنخب المتقاعدة والقوى الاجتماعية والسياسية المتنفذة.
هناك خمسة ملفات أساسية كان المواطن الأردني ينتظر أن تذهب الحكومات الخمس المتعاقبة على إحداث فرق حقيقي فيها، كان من الممكن لو تحركت أن تجد المبرر الاجتماعي للقواعد الاجتماعية العريضة من الأردنيين الذين بنوا الدولة على أكتافهم وحموها في اللحظات الحرجة لكي يتحملوا ارتفاع الأسعار والضنك المتصاعد على مواردهم المحدودة، وان يتضامنوا مع الدولة في مواجهة ابتزاز الأشقاء والأصدقاء في الخارج.
لم تفلح النخب الرسمية في العبور بالبلاد من أزمة المشاركة السياسية وتعبيد الطريق بالحد الأدنى من الإصلاح السياسي الذي يقوى على إعادة تماسك الداخل، ومع هذا تطلب من الناس المشاركة في ممارسة شكلية تزيد من تفاقم الأزمة. لم تفلح تلك النخب في اجتثاث الفساد، بل فرّغت الغضبة الشعبية والإرادة الوطنية في مكافحة الفساد وتعاملت دعائيا مع ملفات انتقائية، ولم تفلح في تطوير خيارات وطنية اقتصادية، لا على المدى القريب ولا البعيد، وبقيت تتعامل بالقطعة مع الأزمات اليومية وبعقلية تجار التجزئة، وجمّدت الخيارات الوطنية في مواجهة أزمة الطاقة وفق حيل سياسية غامضة لا تخلو من الفساد السياسي والمالي، كما حدث مع تجميد خيارات الطاقة النووية، وكما يحدث مع مشاريع الطاقة الشمسية التي لا ندري ما هو مستقبلها، ولم تفلح في الدخول بإصلاح ضريبي حقيقي يعيد بناء الثروة في المجتمع بعدل ويعيد للدولة اعتبارها الحقيقي على القاعدة التي تبني سيادة الدولة والمواطنة من جيوب مواطنيها.
يذهب اليوم نحو 1.7 مليون طفل إلى المدارس، وهو يوم صعب على مئات الآلاف من الأسر في ميزان الكلف والالتزامات، وبعد أسبوعين سوف يذهب نحو ربع مليون شاب الى الجامعات في حالة أصعب على عشرات الآلاف من العائلات، في الوقت الذي ينتظر هؤلاء وغيرهم موجة من ارتفاع أسعار عشرات السلع والخدمات بذريعة ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، الأمر الذي لن يزيد من كلف الحياة بل والقدرة على احتمالها.
( الغد )