ترويجٌ من نوع آخر !

أوصلته إلى الباب وأنا أكرّر له عبارات الشكر والتقدير والامتنان على مبادرته الرائعة في صباح أوّل أيام العيد الفائت، ذاك القريب الذي قرّر إهداء أطفال العائلة أربعة كتاكيت ملوّنة رقيقة وديعة تحوّل القلب إلى كتلةٍ من حنان !
غادر الرجل الظريف الذي استمتع بتجمّع الأطفال حوله وحول المخلوقات الملوّنة، وتركني معهم ... فكان الإجراء العاجل الأوّل يتمّثل في تحريرهم من العلبة البلاستيكية الخانقة التي أتوا بها، ونقلهم إلى كرتونة فسيحة، ثمّ هرع أحد الأطفال فأحضر إناءً صغيراً للماء، وشاركني الآخر في تفريغ كيس الحبوب الذي جاء معهم في إناءٍ آخر، ومضت سحابة النهار ونحن نرقبُ الكتاكيت وهي تتنقّل وتقترب من بعضها لتجري، فيما بدا، حواراتٍ مرحة، كان الأحمر أعلاهم صوتاً، في حين كان يقترب الأصفر من الأزرق كثيراً، ففهم الصغار أنهما صديقان !
في صباح اليوم التالي، كان أول ما فعلته، تفقّد الكائنات الصغيرة، لأجد الأخضر منكمشاً في إحدى الزوايا، اقتربت أكثر فبدا لي منهكاً، إذ كان صدره يعلو ويهبط باضطراب، قلت : لعلّه الطعام قد قلّ، فكان لابدّ من إجراءٍ سريع قبل استيقاظ الأطفال، فوجدتني أهرع إلى أقرب سوبرماركت لأطلب طعاماً للكتاكيت ... تبادل الموظّف ابتسامة مريبة مع زميله ليسألني : « طيور نادرة يعني ؟ « ولمّا وضّحتُ الأمر، قال : « لا تُتعبي نفسك ... ستموت جميعها قريباً ! « ليضيف زميله بصوتٍ بارد وهو يعبث بهاتفه النقّال : « السبب هو الأصباغ الكيماوية التي تتعرض لها لحظة ميلادها ... ضعي لها بعض فتات الخبز على أية حال ! «
رغم ذلك، أصررتُ على شراء الحبوب لأعود سريعاً، فأغيّر الماء، وأضع الطعام الجديد، لكن الكتكوت الأخضرلم يكترث ولم يقترب ولم يتحرّك ...
خلاصة الموقف أنّني أكتب هذه المقالة بعد وفاة الكتاكيت الأربعة تدريجياً خلال ثلاثة أيام على مرأى منّي ومن الأطفال المذهولين ... ماتت جميعها أمامهم تباعاً وهم يبكون ويصيحون ويطالبونني بنقلها إلى أقرب مستشفى للطيور !
خلاصة التجربة : إنّ بيع هذه المخلوقات يعني ترويجاً لفكرة الموت في أذهان أطفالنا، يعني رسالة بغيضة تزيح القداسة عن مفهوم الحياة ... والحُرمة عن مفهوم الروح ... وكأنّه لا يكفينا ما تفعله بعض الأنظمة حولنا لتكريس ولترويج الفكرتين ذاتهما لدى الكبار والصغار على السواء !
وبعد، فأطالب الجهات المختصّة بمنع صباغة هذه المخلوقات، ومنع بيعها بالتالي منعاً باتاً، وإلا فسأقفُ وكلّ الأطفال المتضرّرين قرب سياج الدوار الرابع في حالة اعتصام !
( الراي )