سياسة إهدار الطاقة

تحتل ازمة الطاقة في الأردن المقـام الأول في دواعي القلق الاقتصادي ، حتى اكثر من أزمة المياه ، وتأتي من الناحية اللفظية على رأس اهتمامات الحكومات المتعاقبة ، ومع ذلك فإن الجاري عملياً هو سياسة إهدار الطاقة دون حساب ، وكأننا بلد منتج ومصدر للبترول. وفي هذا المجال يطبق الأردن
الثقافة الخليجية.
مستوى استهلاك الطاقة له علاقة بمستوى الإنتاج الاقتصادي ، ويجب أن يسير معه يداً بيد. وفي البلدان التي تطبق سياسة توفير الطاقة أمكن إنتاج كمية أكبر باستهلاك طاقة أقل.
على العكس من ذلك فإن معدل استهلاك الطاقة في الأردن يفوق معدل النمو الاقتصادي ويسبقه ، وعندما يكون النمو الاقتصادي 3% كما تدل الحسابات القومية فإن استهلاك المحروقات يرتفع سنوياً بمعدل 4 إلى 5 بالمائة ، واستهلاك الكهرباء 7 إلى 8 بالمائة كما يقول خبير الطاقة الدكتور هشام الخطيب.
بموجب أرقام علمية فإن إنتاج ما يعادل مليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي في أوروبا يحتاج لاستهلاك 130 وحدة مكافئ نفطي ، في حين أن إنتاج نفس الكمية في الأردن يحتاج لاستهلاك 210 وحدات ، أي أن هناك هدراً بمعدل يناهز 60 بالمائة. والنتيجة أن هناك هامشا واسعا لتوفير ثلث الطاقة المستهلكة ، ولكننا لا نفعل شيئاً بهذا الاتجاه.
فيما عدا بنزين السيارات أوكتين 95 ، فإن جميع المشتقات النفطية مدعومة ، أي أن الحكومة تنفق من المال العام لحفز المزيد من استهلاك الطاقة ، في حين أن بلدان متقدمة تفرض على المحروقات ضريبة الكربون لتقليل الاستهلاك وحفز التوفير من جهة ، وحماية البيئة من ثاني أكسيد الكربون الذي يسمم الأجواء من جهة أخرى.
لا غرابة والحالة هذه أن ترتفع مستوردات الأردن من البترول والمشتقات النفطية ، ليس من حيث الأسعار فقط ، فهذا ما ليس لنا سيطرة عليه ، بل من حيث الكميات أيضاً ، مما يفاقم نقطة ضعف أساسية في الاقتصاد الأردني تتمثل في اتساع فجوة العجز التجاري ، وزيادة الضغط على ميزان المدفوعات ، دون أن يؤدي ذلك إلى قرع جرس الخطر واتخاذ إجراءات صارمة للحد من المشكلة.
خبراؤنا ملأوا الدنيا شعارات حول الطاقة المتجددة ، والطاقة النظيفة ، والمصادر الطبيعية للطاقة ، وتحدثوا عن أوضاع للطاقة قابلة للاستمرار ، كما تحدثت الحكومة عن حوافز ومزايا وإعفاءات سخية لأعمال إنتاج الكهرباء من الرياح أو الشمس ، ومع ذلك يشكو المستثمرون في هذا المجال من العقبات ، ونسمع جعجعة ولا نرى طحناً.
( الراي )