عقلاء في بطانة صانع القرار

نمرّ بمرحلة غاية في الحساسية، لا ينفع فيها الجلد، ولا توزيع الاتهامات، وتحميل المسؤوليات، نحتاج الى وضع الكتف إلى جانب الكتف، حتى نخرج من عنق الزجاجة.
ما فعله النواب امس ردة فعل إيجابية في وجه الحكومة، ومحاولة غسل من وصمات اخرى لا تزال عالقة منذ جلسة الثقة (111). لكن لا نحتاج إلى زيادة أعداد المتظاهرين في الشارع حتى لو كانوا نواب الأمة، بل نحتاج الى لحظة الحكمة.
نحتاج الى العقلاء والحكماء والمخلصين، نحتاج الى الذين قلوبهم على الوطن، لا على اجندات اخرى، نحتاج الى الرأي المخلص المنتج، لا الى اصحاب "نعم سيدي".
أتخمنا بقرارات التنفيع والتزبيط، وتوزيع المغانم على الاصدقاء والأقارب والأنسباء، اصبحنا نقتنع، (رضينا ام لم نرض) ان لا حل لأزماتنا الاقتصادية سوى بالخنوع لوصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، وأنهما قدر علينا بعد ان وصلت اوضاعنا حدا لا يمكن أن يستمر.
نحتاج الى مخلصين وعقلاء وحكماء وخبراء في بطانة صانع القرار، اولويتهم وطنية، وهمّهم المواطن ومستقبله، وثوابت بوصلتهم لا تخطئ، شخصيات سجلهم نظيف، ولا تدور حولهم شبهات، مترفعين عن التنفيع، والبحث عن المكتسبات الشخصية.
ونحتاج إلى عقليات سياسية، لا موظفين، اقتصاديين ناجحين في مشروعاتهم الخاصة من دون أظهر تساندهم، تجدهم قرب الوطن اذا ناداهم، ولا تجدهم قرب جنسياتهم الاخرى اذا ضُغط عليهم.
وإلى اصلاحيين حقيقيين، لا الى أعداء للاصلاح يقودون مسيرة الاصلاح.
ينادون بالديمقراطية دائما، وليسوا من مشجعي الاحكام العرفية.
ليس هؤلاء العقلاء والحكماء مطلوبين فقط في بطانة صانع القرار، بل نحتاجهم في المؤسسات الوطنية كلها، في الاحزاب والنقابات، في الحراكات ومؤسسات المجتمع المدني، في كل مفاصل حياتنا.
لقد كانت مسيرة الاصلاح التي انطلقت في البلاد بعد هبة نيسان ومغادرة الاحكام العرفية فتحا جديدا في تفكير وعقل الدولة، إلا أن الخطوات نحو المسيرة الاصلاحية تعثرت كثيرا، وتباطأت اكثر، وقويت شوكة قوى الشد العكسي أكثر فأكثر.
لندقق جيداً.. لم يكن أحد -حتى الأكثر تفاؤلاً- يتوقع في لحظة ما أن يحدث ما حدث في سورية، فلقد كان الأمن مطمئناً جداً، وسياطه طيلة أربعين عاماً فعلت فعلها في عصب الشعب السوري، وبات مقتنعاً بأنه لا حول له ولا قوة أمام الوضع القائم، لكن ما نراه يومياً عبر شاشات الفضائيات حتى لو كانت نسبة الصحة فيه 50% فقط، يدفعنا إلى التفكير ساعات بأن الوضع جد خطير، وأننا فعلاً لسنا بعيدين عن فوهة العاصفة إذا لم نضع الإصلاح الحقيقي السياسي والاقتصادي على السكة الصحيحة من دون مواربة أو تأخير.
إن كل الحديث عن الإصلاح السياسي الشامل يبقى ناقصاً إذا لم يترافق مع إصلاح اقتصادي حقيقي يحمي الحياة المعيشية للمواطنين، ويحفظ كرامتهم من العوز والحاجة،وهذا أيضاً لن يتحقق إذا لم نشعر جميعاً بأن محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين أولوية قصوى، ويجب ألا يتم التعامل معها بالقطعة وحسب الوزن.
القراران الاخيران للحكومة، رفع اسعار المحروقات، وتغيير ادارة المؤسسة الاهم في البلاد (الضمان الاجتماعي) عكسا خطورة بالغة على حياة الاردنيين جميعهم، وعلى الكلف السياسية والاقتصادية والامنية، وجاء تدخل رأس الدولة في اللحظة المناسبة ، وقبل أن ينتقل المايكروفون من أمام العقلاء الى النشطاء في الشارع .
( العرب اليوم )