«الجعجعية».. أو ايديولوجيا «الجعجعة»!

مَنْ كان يصدق ان قاتلا وقائد ميليشيا مارست القتل على الهوية وخدم اسرائيل بمرتبة عميل واستعان بها على ابناء بلده وعمل بلا خجل او مواربة من اجل تقسيم لبنان الى كانتونات طائفية ولم يرَ ذات يوم في لبنان بلدا عربيا مطالباً بأعلى صوته, بقاء لبنان على «الحياد» في الصراع العربي الاسرائيلي لم تكن اسرائيل في نظره سوى جار, لا يرقى الى مرتبة العدو.. بل كان مسرورا (وهو وفريق 14 آذار) في عدوان تموز 2006 يُمنّي نفسه بان تنجح اسرائيل في انهاء المقاومة وشطب حزب الله من المعادلة اللبنانية..
هذا القاتل ومجرم الحرب المسمى سمير جعجع، بات الآن الزعيم رقم «1» في فريق 14 آذار بعد ان سلّمه سعد الحريري الراية (ويا لها من راية) ورشّحه رئيساً للبنان في العام 2014 واعتبره ركنا اساسيا في لبنان.. السيد الحر والمستقل وعنوانا للشريحة «المحبة للحياة»!!
نقول: الزعيم الميليشياوي هذا الذي قارف جرائم القتل ومارس من الارتكابات ما يخجل عنها بعض امراء الطوائف ولوردات الحرب في لبنان، جمع في قصره الجبلي في منطقة معراب, رهطاً من الساسة وزعماء الاحزاب والميليشيات في فريق 14 اذار, جاؤوا بكل اناقتهم وربطات اعناقهم الباريسية الفاخرة بل وانتدب وليد جنبلاط (امير الحرب الاخر والزعيم الطائفي الذي حارب جعجع في ما يُعرف بحرب الجبل التي ادت الى تهجير آلاف المسيحيين والذين لم يعودوا الى قراهم حتى الان, رغم المصالحة التي تمت بين زعيم المختارة والكاردينال الماروني السابق نصر الله صفير) ممثلا عنه كي يشارك في احياء ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية .
هل قلنا المقاومة؟
نعم، والمقصود هم عصابات سمير جعجع وحزب الكتائب، وتحالف القوات التي انضوت تحت راية الانعزاليين الذين مثّلهم تحالف آل الجميل (الكتائب وجناحهم المسلح) وكميل شمعون «النمور», وباقي الذين لم يعترفوا بعروبة لبنان ورأوا فيه نسخة غربية, لا علاقة لها بدول الجوار العربي، هؤلاء الذين قادوا حروب لبنان وأَعملوا في اللبنانيين والفلسطينيين والمقيمين من العرب, قتلا وارهابا وذبحا وعنصرية ودمروا بناه التحتية وتحالفوا مع اسرائيل بل نفذوا كل ما طلبته منهم وزودتهم بالاسلحة والخبراء والخرائط وقارفوا الجريمة الابشع في صبرا وشاتيلا، اعتبروا ان مشروعهم هو مشروع «مقاومة» في تحقير لمفهوم المقاومة وثقافتها السامية ورسالتها الانسانية العميقة التي تُحدث قطيعة مع العمالة والخيانة وحتى الحياد, في الكرامة الوطنية والاستقلال.
من رأى سمير جعجع خطيبا امام هذا الحشد «الانيق» من سادة وسيدات فريق 14 اذار وكل من يعادي مقاومة اسرائيل ويرفض الهيمنة الاميركية وينادي بعدم تدخلها في شؤون العرب بذرائع ومبررات متهافتة، شعر بالعار والخجل من زمن كهذا الذي نعيش, والذي يمكن لمجرم وقاتل ان يتصدر المشهد وأن يخرج عن اللياقات والاخلاق وأبسط قواعد السلوك الانساني في استخدام فظ ومستفز لالفاظ ومفردات ومصطلحات, لا تليق إلاّ بمن تلطخت يداه بالدماء وغرق في نهر العمالة والاسفاف.
في زمن الجعجعية، تتقدم الجعجعة ويعلو صوت سماسرة الغرب واصدقاء اسرائيل ومَنْ يستعين (من العربان) بواشنطن وباريس ولندن, كي تقيم لهم الديمقراطية في بلاد العرب, ويُسهّل عليهم الحصول على حقوقهم ويُسقط لهم انظمة الاستبداد، تبدو الامور وكأننا امام مشهد سوريالي غير مسبوق في غرائبيته وجنونه وتهافته.. لكنها – وكما علّمنا التاريخ – لحظات عابرة لن يقف عندها المؤرخون, إلاّ لاستخلاص العبر والقول ان الاستثناء لا يلغي القاعدة، والقاعدة تقول ان الخيانة والسقوط والانعزالية مجرد فصل قصير في تاريخ الشعوب التي تعرف كيف تعاقب هذه «الزُمر» وترمي بها الى مزابل التاريخ. ( الرأي )