الرأي العام الأردني والأزمة السورية

أصدر المركز العربي للأبحات ودراسة السياسات في الدوحة نتائج استطلاع للرأي العام الأردني، أجراه في شهر تموز (يوليو) الماضي ضمن مشروع المركز السنوي لاستطلاع الرأي العام العربي (المؤشر العربي). والمهم في نتائج الاستطلاع أنه يشير إلى حالة من شبه توافق الحد الأدنى تسود وسط المجتمع الأردني في الموقف من الثورة السورية، والموقف من النظام السوري، وطريقة حل الأزمة الراهنة.
رغم الأصوات العالية والمتطرفة أحيانا في التعبير عن المواقف في هذا الاتجاه أو ذاك، فإن نتائج الاستطلاع متوافقة إلى حد ما مع موقف الدولة الأردنية منذ بدء الأزمة السورية. وما قاله الاستطلاع بشكل مباشر، وما لم يقله، هو أن المجتمع الأردني مع تغيير النظام في دمشق، ومتعاطف مع الثورة السورية، وضد التدخل الأجنبي من أجل تغيير النظام، ولا ينفي بالكامل وجود مؤامرة تستهدف سورية.
أشارت نتائج الاستطلاع إلى أن
79 % من الأردنيين يؤيدون تنحي الرئيس بشار الأسد، والبقية إما ضد التنحي أو لا رأي لهم. وحول أفضل الطرق لحل الأزمة، ذهبت الأغلبية الساحقة وبنسبة 82 % من المستجيبين إلى تغيير النظام السياسي، مقابل
3 % دعوا إلى القضاء على الثورة، و5 % دعوا النظام إلى القيام بإصلاحات جدية والحوار مع الشعب. في هذا الوقت تبدو مشكلة الاستطلاع في قراءة اتجاهات هذه الأغلبية؛ كيف يرى الأردنيون طريقة تغيير النظام؟ إذ إن الذين يؤيدون تغيير النظام بالتدخل الخارجي من القوى الدولية هم فقط أقل من نصف بالمائة، والذين دعوا إلى تدخل دول عربية لتغيير النظام تشكل نسبتهم
3 %، وهناك 7 % اتجهوا إلى إسقاط النظام وبأي طريقة، بينما يرى 66 % أن طريقة تغيير النظام المطلوبة هي تنحي الرئيس. وعلاوة على انسجام هذا الطرح مع التعبيرات اليومية التي يمكن ان تقرأ في المجال العام الأردني بعيدا عن وجهتي النظر المتطرفتين -مع الثورة السورية ومطالبها، ومع النظام في دمشق وسلوكه- فإن هذا الاتجاه يشير إلى تطور في الثقافة السياسية المحلية يحتاج إلى قراءة أخرى، ومن زاوية مدى انطباق هذا الاتجاه مع تعبيرات الشارع الأردني في التعامل مع الأزمات المحلية.
في المحور الثالث؛ توصيف الأردنيين لما يجري في سورية، اتجهت الغالبية البسيطة وبنسبة
57 % إلى توصيف ما يجري بثورة شعبية ضد النظام، فيما وصف 35 % من المستجيبين ما يجري بمؤامرة خارجية على سورية. هذه النتيجة تعكس حالة الإرباك التي يعيشها الرأي العام العربي بشكل عام في تقييمه للفصل الثاني من الربيع العربي من جهة، كما تعكس الإدراك لحجم الصراع والاستقطاب الحاد من قبل القوى الدولية على مستقبل سورية ومصيرها، وكلهم يسألون عن اليوم التالي في دمشق.
لا يمكن أن نطلب من الرأي العام الأردني أكثر من ذلك، وهو رأي عام يُظهر درجة عالية من الرشد والانسجام مع الذات، ومع الحقائق الجغرافية الديمغرافية، وميال إلى ثقافة سلمية في حل أكثر الأزمات حدة وعنفا، ويرى الأزمة السورية أزمة داخلية يتابعها بيقظة وقلق يوميين؛ لا يمكن أن يطلب من الشارع الأردني أكثر من ذلك، كما لا يمكن أن يُطلب من الدولة الأردنية أكثر مما هو راهن.
( الغد )