نهاية عدم الانحياز

عندما انطلق مؤتمر عدم الانحياز الأول قبل نحو نصف قرن بقيادة نهرو وتيتو وعبد الناصر، كان له معنى باعتباره إطاراً للدول التي ليست عضواً في المعسكر الغربي أو الشرقي، وليست منحازة لأي منهما، بل تحافظ على حالة من الحياد الإيجابي بين المعسكرين.
في ذلك الوقت كان الجزء الاكبر من دول عدم الانحياز منحازاً فعلاً لهذا المعسكر أو ذلك، وإن بشكل غير مباشر، أي بدون الدخول رسمياً في حلف يمثل التبعية المطلقة.
وصف الحياد بالإيجابية يعني أن الحياديـة لا تعني بالضرورة أن لا نأخـذ موقفاً من هذا المعسـكر أو ذاك على ضوء مواقفـه من قضايانا ومصالحنـا (نصادق من يصادقنا ونعادي من يعادينا).
الدول العربية بالذات كانت أعضاء في مؤتمر عدم الانحياز مع أن انحياز بعضها كان واضحأً كالشمس، فالمؤتمر لم يكن بعيدأً عن النفوذ الأميركي أو السوفييتي. بل إن الصين الشعبية، أكبر دولة شيوعية في العالم في ذلك الوقت، كانت عضوأً في مؤتمر عدم الانحياز.
الحياد بين المعسكر الذي يدعم إسرائيل بالسلاح والمال والغطاء السياسي، وبين المعسكر الذي يدعم العرب ويسلحهم ويدافع عنهم في مجلس الأمن، كان موقفاً لا أخلاقياً وأبعد ما يكون عن الحياد الإيجابي.
بعد هذه النبذة التاريخية نعود إلى مؤتمر عدم الانحياز الأخير الذي يحمل الرقم 16 وانعقد في إيران التي لا تستيطع أن تصف موقفها الإقليمي أو الدولي بانه غير منحاز.
إذا كانت هناك شـكوك في مصداقية مبدأ عدم الانحياز قبل نصف قرن، فإن عدم الانحياز اليوم فقد معناه كلياً فلم يعد العالم يواجه معسكرين متصارعين، تماماً كما فقد حلف الناتو مبرر وجوده بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ولم تعد أوروبا الغربية مهددة بالاجتياح.
بقيت وقفة سريعة عند خطاب المرشد الفقيه علي خامئني الذي أكد أن إيران لا تسعى لامتلاك سلاح ذري، وأنها تريد فقط استعمالات سلمية للذرة أي لتوليد الكهرباء.
ليس من حق أحد الاعتراض على قرار إيران امتلاك سلاح ذري طالما أن مثل هذا السلاح موجود في دولة إقليمية عدوانية تحتل أراضي الغير، ولكن القول بأن إيران تتحمل التكاليف الباهظة لمشروعها الذري، وتتحمل العقوبات الاقتصادية، وتعرض نفسها لخطر هجوم مدمر لمجرد توليد الكهرباء مع أنها منتج كبير للبترول، غير قابل للتصديق.
( الراي )