استقالة الحكومة لا تكفي

الموضوع الذي يطغى على أحاديث النخبة السياسية في البلاد بعد قرار تجميد رفع أسعار المحروقات، هو من سيخلف فايز الطراونة في الحكومة الجديدة، وبورصة الأسماء والمعلومات مفتوحة، سواء أكانت دقيقة أم للفت الانظار، من عبدالكريم الكباريتي الذي يقال انه اعتذر عن قبول تشكيل الحكومة، ومن ناصر اللوزي ،وإمكانية فتح حوار جديد مع الإخوان المسلمين الذين طرأ تغيّر ملموس على خطابهم في الأيام الأخيرة، إلى حكومات شبه عسكرية وبورصة الأسماء تبدأ من مصطفى القيسي ومحمد الرقاد وتنتهي عند حسين هزاع المجالي.
ليس مهما الآن التغيير الحكومي، فمنذ تسلّم حكومة الطراونة لم يرحب فيها أحد، ولم يلمس المواطن في لحظة أنها تمثله، بل كانت وما زالت تعمل على أنها حكومة مؤقتة، تستمع الى صدى صوت أعضائها فقط، لهذا يستحق الشعب الاردني أن يتم الاستماع لصوته، وأن يستجاب لمطالبه، بعد كل هذه المعاناة السياسية والمعيشية منذ عقود من الزمان.
السياسة الرسمية وخلافاً لهذه الفرضية الصائبة، تدير ظهرها تماماً، للأوجاع التي تعاني منها شرائح واسعة من المجتمع، لا بل إن الإجراءات الأخيرة، تشير الى قدر مرعب من اللامبالاة حيال مصالح الناس والنظر إلى الأوضاع المتدهورة للأحوال المعيشية كما لو كانت خارج نطاق مسؤولية الحكم.
من الصعب أن نرى نموذجا آخر لتخلي الدولة عن مسؤولياتها تجاه تقديم الخدمات الأساسية للمجتمع كما نشهد في الأردن (في نطاق الدول المحسوبة على المنظومة النامية والعالم الثالث)، فشروط صندوق النقد الدولي يتم التعامل معها بالتزام وانضباط عجيبين كما لو كانت ميثاقا أساسيا للدولة، هذا في الوقت الذي تخالف فيه الشروط مواد أساسية في الدستور الأردني تنص على حقوق المواطنين وواجباتهم.
فلا يعقل أن يحصل ما حصل بخصوص قبول شروط صندوق النقد، والتعيينات في الضمان الاجتماعي، وإقرار قوانين الأحزاب والانتخابات، بمعزل عن الالتزام بالمشاركة الشعبية في صنع القرار وفي زمن الثورات والمطالبة بالتغيير.
القرارات الحكومية الأخيرة، كان يمكن ان تؤدي إلى حالة تشبه العصيان المدني في البلاد، لولا قرار تجميد رفع أسعار المحروقات، فمن أين جاء العقل العبقري الذي نفذ ذلك؟.
من دون العودة إلى مراجعة السياسات الاقتصادية والقوانين الناظمة للحياة السياسية، فإن آليات الحراك السلمي ستتحول تلقائياً إلى العنف والانفلات.
ومن دون إقناع المواطنين بأن أبواب النهب غير المشروع قد أغلقت نهائيا، وأن ما يدفعونه من ضرائب، وهي بالمناسبة الأعلى في العالم، تذهب للخزينة، وأن ما يأتي من مساعدات لا تتحول الى مسارب اخرى غير الخزينة، فإن كل ما يقال عن الإصلاح سيبقى كلاما في الهواء، وسيفقد المواطنين الثقة في كل شيء.
ليس مهما تغيير الوجوه، فلقد حرقنا في الاردن رجالات كثر، المهم تغيير النهج، وطريقة التفكير، والإصغاء إلى نبض الناس.
( العرب اليوم )