أين مربط الفرس ؟

ما حدث في الأيام القليلة الماضية وما طغى على المشهد السياسي المحلي من هرجٍ ومرجٍ وتخبط وارتباك، يختصر مجمل المشكلة الأردنية وأصلها وجوهرها، وهو ما ينبغي أن يكون محل البحث والحوار، والبحث عن الحلول، فرفع أسعار الوقود ما هو إلاّ نتيجة وأثر للمشكلة الحقيقية، وليس هو عين المشكلة، وما جرى من تجميد للقرار الحكومي ما هو إلاّ جرعة مسكنة للشارع المأزوم، وتخميد للاحتقان ولا يمثل علاجاً شافياً، ولم نصل جميعاً إلى مرحلة الأمان والاستقرار.
ما أقدمت عليه الحكومة من إجراءات، وخطوات تمس حياة المواطن ومستقبله مثل الإقدام على توقيع القرض الكبير الذي سوف يزيد حجم المديونية الكبير والمذهل أصلاً؛ ليصل إلى مستويات خطيرة وغير مسبوقة يهدد مستقبل الاقتصاد الأردني، فقد تمّت هذه الخطوة بإجراء حكومي منعزل عن الإرادة الشعبية، إذ لم يتمّ التشاور مع القوى السياسية والفعاليات الاقتصادية، بل الأدهى من ذلك أنّه لم يتمّ التشاور مع مجلس النواب القريب من الحكومة، والذي يخلو من المعارضة الجادة والمؤثرة.
المنهجية الحكومية في الإقدام على توقيع هذا القرض انسحبت على كل الخطوات الأخرى المؤثرة والمثيرة، مثل قرارات رفع الوقود التي تمهد لرفع أسعار الكهرباء والمياه، وكل السلع الضرورية وغير الضرورية التي لا تدخل في صميم حياة المواطن، وكذلك قرارات التعيينات الأخيرة في المناصب الكبرى ذات التأثير في مستقبل البلد، كانت وفقاً للمنوال نفسه.
الحكومة أقدمت على هذه الخطوات تحت تأثير الأوضاع الاقتصادية الحرجة التي تعاني منها البلد، وربما هناك تبريرات لدى الحكومة في هذا الشأن، ولكن المصيبة اتضحت تماماً وتجلت في غياب وتغييب الشعب الأردني عن المشاركة في القرارات الحاسمة التي تقرر مصيره، واتباع الحكومة لمنهج إقطاعي قديم مغرق في الفردية والتسلط والديكتاتورية المقيتة، التي تتعامل مع الشعب على أنّه رعاع، وقطعان من العمال والمستخدمين لديها، لا شأن لهم بما يحدث ولا رأي لهم في قرارات الحكومة وإجراءاتها وسياساتها، وما عليهم إلاّ السمع والطاعة والخضوع القسري والرضا بالقرارات العلوية والفوقية.
الحل يكمن في الوقوف على مربط الفرس، وعلى أصل المشكلة الذي تتفرع عنه جملة من المشاكل لا حصر لها ولا عد، فالحل إذا يتلخص في تغيير منهجية تشكيل الحكومة وطريقة اختيار رئيسها وفريقها، بحيث تصبح نتيجة لإفراز صناديق الاقتراع النيابية في كل دورة انتخابية، وتصبح الحكومة معبرة عن الإرادة الشعبية تعبيراً حقيقياً وواقعياً، ثمّ تخضع الحكومة لرقابة الشعب الصارمة والمحاسبة الدقيقة، وتكون الحكومة عرضة للاستبدال عندما تفشل في تحقيق وعودها وتنفيذ برامجها، المرتكزة على حلّ مشاكل الدولة، والتي تمّ اختيارها وفقاً لهذه البرامج المعلنة قبل الانتخابات.
إنّ تغيير منهجية تشكيل الحكومة رئيساً وفريقاً، ينبني عليه تغيير منهجية الحكومة في إدارة شؤون الدولة، وتغيير طريقة الحكومة باتخاذ القرارات والإقدام على الخطوات المصيرية التي يجب أن تتم وفقاً لآلية ديمقراطية منضبطة بتشريعات متفق عليها، وعند ذلك سوف تكون الحكومة معنية بالرضا الشعبي، ومعنية بالتشاور مع القوى السياسية الفعالة، وحريصة كل الحرص على احترام إرادة الجماهير.
وعند ذلك سوف تكون جموع الشعب متفهمة للسياسات المتبعة والقرارات المتخذة، وسوف يكون الشعب بمجمله شريكاً بالمسؤولية، وشريكاً في تحمّل آثار المرحلة، وتكون الجماهير عندئذٍ عوناً لأصحاب السلطة والقرار وليس في موضع عداء ومناكفة ومشاكسة، وليس مليئاً بالشك والريبة من كلّ خطوة حكومية، عندما يتمّ اتخاذ هذه الخطوة بشفافية ووفقاً لمعايير النزاهة والمنافسة العادلة، فهذه الطريقة الوحيدة لردم الهوة بين الشعب والمسؤول وبناء جسور الثقة، التي تصنع الأمن الحقيقي والاستقرار الدائم للدولة.
( العرب اليوم )