إسرائيل وفلسطين في «شارلوت»

تم نشره الخميس 06 أيلول / سبتمبر 2012 01:25 صباحاً
إسرائيل وفلسطين في «شارلوت»
عريب الرنتاوي

تحول اليوم الأول لمؤتمر الحزب الديمقراطي، إلى منصةٍ كبرى، عرضت من فوقها، وتحت “وابل كثيف” من التغطية الإعلامية، مختلف “جماعات الضغط والمصالح”، مواقفها وسياساتها التي تدفعها لتأييد إعادة انتخاب باراك أوباما لولاية رئاسية ثانية: نساء لحقوق متساوية، جماعات الاجهاض، التأمين الصحي للجميع، المثليون، صناع السيارات، عوائل العسكريين، ممثلو المهاجرين وغيرهم كثير.

كان لافتاً للانتباه أن اليوم الأول للمؤتمر، شهد تقديم “جردة حساب” أو بلغة المؤتمر “لائحة إنجازات” لإدارة أوباما في سنواتها الأربع الأولى، تخص إسرائيل و”العلاقة المُتميزة” معها... ولو كنت جاهلاً بالجغرافيا لظننت أن السيناتور الذي قدم “كشف الحساب”، يمثل “ولاية إسرائيل”، تماماً مثلما مثل سيناتورات آخرون، ولاياتهم في جلسات المؤتمر وتحدثوا باسمها.

“أوباما جيد لإسرائيل”، هذا الشعار لم يعد كافياً على ما يبدو لاقناع إسرائيل و”اللوبي” الذي ينطق باسمها وينافح عن مصالحها في الولايات المتحدة... إسرائيل تريد من كل رئيس أمريكي أن يكون الأفضل و”الأجود” لها ... “أوباما هو أفضل صديق لإسرائيل..أوباما هو أكثر رؤساء الولايات المتحدة اخلاصاً لأمنها وتفوقها”...ليس أقل من ذلك أبداً، وعلى الأفعال ان تتبع الأقوال ومن دون تأخير...وعلى الرأي العام الأمريكي أن يدرك ذلك ويعرفه ويتأكد منه...وهل ثمة من منصة أفضل من مؤتمر الحزب لفعل ذلك؟...هل ثمة من توقيت أهم من هذا الذي يسبق الانتخابات ببضعة أسابيع فقط، للبوح بذلك؟!

جردة الحساب تضمنت لائحة طويلة، ليست مختصرة ولا موجزة أبداً...دائماً هناك وقت كافٍ حين يتعلق الأمر بمصالح إسرائيل وحساباتها...تبدأ بالالتزام الثابت وغير القابل للاهتزاز بحق إسرائيل في الوجود الآمن والمتفوق كـ”دولة يهودية”...ويمر بالقبة الحديدية المصممة لحماية إسرائيل من “حزام النار” المحيط بها من الجنوب (غزة)، وينعطف على تزويدها بكل ما تحتاج (ولا تحتاج) إليه من الأسلحة الأكثر فتكاً وتطوراً، ومن دون أن ينتهي بالتزام لا رجعة عنه بمنع إيران من امتلاك “القنبلة” وليس احتواء الخطر النووي الإيراني فحسب...وللدلالة على جدية الالتزام الأمريكي، لا بد من “تلاوة” مقتطفات من أقوال نتنياهو وباراك وبيريز، تشيد بالرئيس الأمريكي ودعمه غير المشروط وغير المحدود لإسرائيل.

حتى هجوم المتظاهرين المصريين السلميين على سفارة إسرائيل في القاهرة، وهو حدث له ما يشببه في مختلف عواصم العالم، كفيل بإطلاق صافرات الخطر والتنبيه في واشنطن...هذه أيضاً قضية أمن قومي أمريكي بامتياز، تملي إعلان حالة الاستنفار القصوى في دوائر الأمن والدبلوماسية الأمريكية...حياة هؤلاء الدبلوماسيين وأمنهم أكثر أهمية من حيوات ألوف المصريين الذين سقطوا بين قتيل وجريح برصاص النظام وشبيحته، بل وأكثر أهمية من حيوات عشرات الدبلوماسيين الذين تعرضوا للتهديد من دون أن تذرف عليهم “البواكي”، دمعة واحدة.

مقابل “لائحة الخدمات” الطويلة والعريضة المُقدمة لإسرائيل، التي يصعب حصرها في هذه “العُجالة”، يؤتى على ذكر فلسطين مرة واحدة، وفي معرض الحديث عن “حل الدولتين”، وفي سياق يجزم بضرورة أن تكون الدولة الفلسطينية العتيدة “منزوعة السلاح”؟!.

على مداخل المؤتمر المنعقد في “ستاد تايم وورنر كابل”، كان نشطاء “اللوبي” إياه” يتحركون بين المشاركين والضيوف، يوزعون منشورات يعرض أحدها لعشرة أسباب\أساطير تملي على “مؤتمر الحزب الديمقراطي” دعم إسرائيل: تبدأ بالتذكير بـ”الديمقراطية الوحيدة” في الشرق الأوسط، وهنا كان لافتاً استخدام “الجماعة” لوصف “أقدم” و”أكثر تأسيساً” تمييزاً لـ”الديمقراطية” الإسرائيلية عن الديمقراطيات العربية الناشئة، وتمر بالحديث عن “القيم المشتركة”، ولا تنتهي بـ”الأرض الوعودة” و”الشعب المختار” الذي أهدى العالم “مسيحه” و”إنجيله”، دع عنك الحرب على الإرهاب والتقدم العلمي والتكنولوجي والتعليمي، لتكون النتيجة باختصار: دعم إسرائيل ضرورة مستمدة من ضرورتها للعالم، والضغط عليها للانسحاب من “أراضٍ” مغامرة لا يجوز لإدارة أمريكية أن تقدم عليها.

العرب غائبون عن المؤتمر وأروقته – كالعادة – لا حضور لهم ولا لقضاياهم برغم “التهابات” الربيع العربي وتحولاته التاريخية...لم أجد من بين مئات الضيوف الأجانب، سوى عربيين اثنين وثلاثة أكراد من شمال العراق...الفشل يطاردهم في “شارلوت” كما طادرهم في “فلوريدا” حاضنة مؤتمر الجمهوريين.

كنت أتمنى لو أن المنافحين عن خيار “المفاوضات حياة” كانوا معنا في “شارلوت”، لاستطلع ردات فعلهم “الفورية” على ما سمعنا وشاهدنا...هل حقاً ما زال هؤلاء يؤمنون بـ”حل الدولتين”، ويراهنون على “الفرصة” التي ستأتي في الولاية الثانية للرئيس أوباما؟...هل حقاً هناك من يعتقد بأن واشنطن ستُرغم إسرائيل على الانسحاب إلى خط الرابع من حزيران، وإن مُعدلاً؟...هل هناك من لا يزال يؤمن بـ”الوسيط الأمريكي النزيه”؟...لقد تمنيت أيضاً لو أن ممثلي “التيار الإخواني” كانوا هنا، ليدركوا قبل فوات الأوان، بأن الرهان على إعادة إحياء تحالفات الحرب الباردة، يمكن أن تأخذهم إلى أي مكان في العالم، إلى أية “ساحة جهاد” يريدونها، لكنه بالقطع لن يأخذهم يوماً إلى “الأرض الوقف” في بيت المقدس وأكنافه.

وسط هذه الأنباء السيئة والمثيرة للتشاؤم والإحباط، أختم بخبر جيد وحيد: إذ كان ملاحظاً تماماً، أن “خطاب جردة الحساب” لم يحظ بحماس الجمهور وتصفيقه، كان التفاعل “كسولاً” مع الحديث والمتحدث، جميع “الجردات” و”الإنجازات” الأخرى حظيت بتفاعل أكبر...وفي ظني أن ذلك عائد لسببين اثنين: الأول؛ ضعف اهتمام الجمهور والمؤتمرين بالسياسة الخارجية وموضوعاتها عموماً...والثاني؛ أن جيلاً أمريكياً شاباً بدأ يفقد حماسته لإسرائيل وولاءه لها، بعد كل ما رأى وشاهد وسمع، وأن ثمة إرهاصات تحول في الرأي العام الأمريكي والغربي حيال هذه الدولة المارقة.

لكن السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، لا يصنعها الرأي العام الأمريكي عموماً...بل هي “حرفة” نخبة من ساسة واشنطن وجماعات الضغط المؤثرة والنافذة فيها...سيما حين تكون “مصالح” واشنطن مؤمنة في هذه المنطقة أو تلك، ولا “خطر على حياة الجنود”...ولهذا أحسب أننا سننتظر، وربما طويلاً جداً، قبل أن نرى تحولات الرأي العام الأمريكي تُترجم إلى تحولات في السياسة الخارجية الأمريكية.

( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات